حینما تسلّم آیة الله سید محمود شاهرودي في عام 1999 منصب رئاسة السلطة القضائیة خلفاً لآیة الله محمد یزدي صرّح بالحرف أنه تسلم »خراباً« و وعد باصلاح القضاء الاسلامي في ایران. كانت الملفات المعلقة و المكدسة منذ سنوات التي تنتظر البت فیها تتعلق بالشكاوی ضد الفساد و المحسوبیة و الرشوة و سلسلة الاغتیالات ضد المعارضین و المثقفین في الداخل و الخارج.
و جدیر بالذكر أن التوق الی العدل لدی الایرانیین، كغیرهم من الشعوب المقهورة، تمتد جذوره الی التاریخ القدیم. فما من عمل تعرض للشك و النفور و اللعن عند عامة الناس مثل القضاء او القضاة أنفسهم. یشهد علی ذلك التراث الادبي الفارسي قدیماً و حدیثاً و یكفي أن نشیر الی أن الشعار الشعبي الاساسي للثورة الدستوریة فی العقد الاول من القرن العشرین كان إقامة »عدالتخانه« (بیت العدل) كما أنه لیس من قبیل الصدف أن البنایة الاولی للمجلس النیابي الایراني (مجلس شورای ملی) في ساحة بهارستان بطهران، كانت تتصدر مدخلها الرئیسي عبارة »عدل مظفر« (اي العدل المظفری، نسبة الی مظفر الدین شاه و تدل العبارة حسب الارقام الابجدیة علی عام 1324 الهجري / 1906 المیلادي). الا أن حكم رضا شاه و ابنه محمد رضا الذي استمر حتی عام 1979، خیب كل آمال الایرانیین في الحصول علی العدل الذي هو في رأیهم و في الواقع، جوهر الدیمقراطیة و النظام البرلماني.
و قبل سقوط الشاه كانت المعارضة تشكو من غیاب العدالة و كانت المحاكم تسمی، طعناً فیها و لعباً بالكلمات، بأنها »بیدادگاه« بدلاً من »دادگاه« (اي موقع الظلم بدلاً من موقع العدل)، كما كانت المعارضة الدینیة بما فیها بعض رجال الدین تعد الناس بإقامة »عدل علي بن ابي طالب« إلا أن النتیجه جاءت عكس التوقعات. و بعد مضي 22 عاماً علی قیام الجمهوریة الاسلامیة و سیطرة الفقهاء وحدهم علی مناصب القضاء و استبدال كل القوانین التي تخص القضایا الفردیة و الجماعیة و التي كانت علمانیة نوعاً ما بقوانین فقهیة، أصبحت الامور أكثر تعقیداً و العدل ظلماً فاحشاً. فطبّقت الجمهوریة الاسلامیة العقوبات البدنیة و سمّت التعذیب في السجون »تعزیراً« و الاعدامات بالجملة »عقاباً الهیاً«. و بعد سنوات من الضغط الشعبي قَبل القضاء بحضور المحامين في المحاكم. و یمكن أن یستغرب القارئ اذا علم أن المدعي العام و القاضي یتمثلان في شخص واحد. كما أن محاكم خاصة مثل محكمة الثورة و محكمة رجال الدین و المحكمة العسكریة و غیرها فتحت الطریق للالتفاف علی القانون، ناهیك عن »الاجتهادات« المتضاربة بین القضاة التي لا تعطي أي انطباع بأن هناك تنفیذاً لقانون معین یجب علی الجمیع اتّباعه، شأن القضاء الحدیث. فقد یعاقب فعل واحد بحكمین متناقضین حسب اجتهاد كل محكمة.
كانت محاكمة المعارضین خاصة في العقد الاول من عمر الجمهوریة الاسلامیة تعقد بسریة تامة و لاتدوم غالباً اكثر من دقائق معدودة ثم یصدر الحكم غالباً بالاعدام و كانت الاسئلة الموجهة الی المتهم قلیلة جداً من نوع: »هل أنت مسلم ام لا؟ هل تصلي أم لا؟ هل أنت شیوعي او منافق (من مجاهدي الشعب) ام لا؟ هل تقبل بسبّ منظمتك و قادتها و بالبراءة من ایدیولوجیتها في التلفزیون ام لا؟« و اذا كان الجواب غیر ما كان القاضي ینتظره كانت تصدر الاشارة بتنفیذ الاعدام فوراً. هكذا كانت الحال بین عامي 1981 و 1988 حیث اعدم الآلاف من المعارضین و جلّهم من الشباب في سجون طهران و المدن الكبری بحیث أدی الامر الی احتجاج آیة الله حسین علی منتظري نائب و ولي عهد الخمیني آنذاك و كان موقفه هذا سبباً لابعاده عن الحكم و حبسه في بیته حتی الآن.
و في عهد خاتمي لم یطرأ أي تغییر في القضاء، قد یكون السبب أن هذه المؤسسة خارجة عن صلاحیاته تماماً. فرئیس السلطة القضائیة یتم تعیینه بأمر من الولي الفقیه و لایمكن أي تغییر في القضاء الا بموافقته هو. و یسیطر المتشددون علی القضاء بشكل كامل و ینظرون و یحكمون في كل الملفات و الشكاوی حسب مصالحهم السیاسیة و الاقتصادیة و أحقادهم الشخصیة. لیس هذا اسلوبهم في التعامل مع سلسلة الاغتیالات التي تمت ضد المعارضین و المثقفین العلمانیین بل حتی في تعاملهم مع القضایا التي تتعلق بالاصلاحیین أیضاً الذین هم من أصحاب النظام.
صرح الرئیس خاتمي یوم 20 من آب الماضي أنه لایعرف شیئاً عن ملف الهجوم المباغت الشرس علی المبیت الجامعي بطهران الذي قتل فیه طالب و جرح و اعتقل المئات. كما لم یسمح لمحامي الدفاع عن الطلاب المضروبین بدراسة ملفات الاتهام و معذلك برّأت المحكمة من هاجموا و سجنت من هوجموا! و تكرر موقف المتشددین هذا حینما نشروا تقریرهم في 14 سبتمبر الجاري عن احداث الشغب التي قام بها »أنصار حزب الله« و الاحتجاج الشعبي ضد تصرفاتهم في مدینة خرم آباد في النصف الاول من سبتمبر. فتقریر »لجنة الرقابة العلیا« أعطی الحق للمتشددین و ندد بالاصلاحیین! ان انتهاك حقوق الدفاع في ایران لا مثیل له الا في الانظمة الفاشیة فقد اعتقل المحامیان شیرین عبادي و حجة الاسلام محسن رهامي لانهما یدافعان عن السیاسیین و المثقفین الذین اغتالهم البولیس السیاسي عام 1988.
ما إن تجرأت صحیفة اصلاحیة بفضح الفساد و الرشوة و الانتهاكات الصارخة للقانون تأمر القضاء باغلاقها فوراً و لكن صحف المتشددین تتهم و تشتم و تحرّض ضد الاصلاحیین بمن فیهم خاتمي نفسه دون عقاب. هذا الكیل بمكیالین الذي یمارسه القضاء أدی الی خیبة أمل الیمة لدی الاصلاحیین ناهیك عن النفور الهائل في الاوساط الشعبیة التي تری أن مَلاك العدل في الجمهوریة الاسلامیة ینظر بعین حولاء. و جدید هذه الاوضاع البائسة التي أصبحت لاتطاق أن رئیس السلطة القضائیة صرح في 10 سبتمبر الجاري أنه بصدد تخفیض عدد الاحكام بالسجن لانه »لایوجد في الاسلام الحكم بالسجن« مما جعل الحقوقیین یتساءلون عما تبطّن تصریحات آیة الله شاهرودي؟ هل ینوي استبدال السجن باحكام الجلد و التعزیر و الاعدام؟ القضاء الاسلامي في ایران سوریالي: جاء في خبر لاذاعة فرنسا الدولي - القسم الفارسي - في بدایة هذا الشهر أنه صدم سائق سیارة أحد المارة فأصاب عینه فأمر قضاء الملالي باقتلاع عینه فوراً!
و هكذا یحق للایرانیین المهددین بسیف هذا القضاء الاسلامي أن یتساءلوا: »هل یحكمنا في فجر القرن الحادي و العشرین الحجاج و زیاد بن ابیه مجتمعین؟«
--------------------
كاتب ایراني
نشر فی الحیاة بتاریخ 3 تشرین الاول ـ اکتوبر 2000 .