ایران: طریق الدیمقراطیة في حقل من الالغام

رفسنجاني: أقاله الشعب من المجلس النیابي أم إستقال؟

عندما كانت الملایین من البشر من جمیع الفئات الاجتماعیة فی ایران تهتف، فی عامي 1978- 1979، بسقوط الدكتاتوریة و تطالب بالاستقلال و الحریة و العدالة الاجتماعیة لم یكن احد یتصور ان طریق الانقاذ ستكون ملغومة و مشحونة بالمخاطر الی هذا الحد؛ كما لم یكن یخطر ببال احد ان المناداة بالجمهوریة الاسلامیة، بكل ما فیها من ابهام و التی فرضها الخمینی، ستكون لها عواقب لن یتخلص منها الشعب حتی بعد اكثر من عشرین عاماً.

الاحداث الخطیرة التي تشهدها ایران هذه الایام و الصراع علی السلطة بین ما یسمی بالمتشددین و بالاصلاحیین و التهدیدات بالاغتیال و القمع و بالانقلاب العسكری و سن القوانین التی من شأنها ان تحدّ من الهوامش البسیطة أصلاً لحریة التعبیر؛ هذا كله یذكّرنا بما حصل منذ وصول الخمینی الی الحكم و اصراره علی ان یبقی هو و اتباعه من رجال الدین اسیاد الموقف و لیس غیرهم و ان تكون بیدهم حصراً كل مقالید الامور. انهم استخدموا لتبریر هذا الموقف كل ما كان فی متناول ایدیهم من المخزون التاریخی الدینی و الاساطیر و الاوهام و كذلك من التجارب الشعبویة التي أظهر بعض رجال الدین براعة مطلقة فیها كما استخدم الخمیني و اتباعه من الاسالیب القمعیة القروسطیة و الحدیثة و بدون تحفظ و احراج كي یثبّتوا اركان نظامهم.

ان من یتابع اخبار ایران فی الصحف من بعید، لایمكنه ان یتصور حقیقة ما جری و یجری هناك و لا یمكنه ان یلمس المأساة الیومیة التی یعیشها الناس طوال العشرین عاماً الماضیة. ان الشعارات البراقة و المزاودات لتحریر فلسطین و معاداة الصهیونیة و الامبریالیة و التظاهر »لمصلحة المستضعفین فی الارض« و لاستقلال الشعوب الخ، لیست الا ضرباً من الدعایات السیاسیة هدفها تجهیل الشعوب المغلوبة علی امرها، الامر الذی ینطبق علیه المثل الفارسی القائل ان »نغمة الطبول حلوة لكن من بعید«. فالآلاف من الأسئلة الحقیقیة التي تتعلق بالواقع المعاش، لم تجد ردوداً حقیقیة و شافیة علیها و طبیعي اذن ان یفتش الناس عن السبب الاساسي لبؤسهم و عمّن هم وراء هذا البؤس. هناك أسئلة حقیقیة و لكن ینقصها اجوبة حقیقیة.

و خلال 22 عاماً من تجربة النظام »الجمهوري الاسلامي« واجه الناس حقائق زادت في وعیهم و علمتهم أنه هناك فرق شاسع بین مایقال و ینقل عن الدین و ما ینفّذ علی الارض. و من المفارقة أن نتذكر أن هناك في الادب الفارسي  و في الثقافة التاریخیة الایرانیة أمثلة عدیدة عن عدم الثقة الذي كان یسود دائماً علاقة الناس برجال الدین. و عندما یهدر المال هباءاً و بدون جدوی یقال فیه أنه أصبح »ملّا خور« (اي أكله رجال الدین)!

و مثال آخر من الشاعر سعدي الشیرازي في كتابه »گلستان« (جنة الازهار) حیث یشكو و یحتج:

»ان رجال الدین یعلّمون الناس الزهد بالدنیا / في الوقت الذي یقومون هم فیه بكنز الفضة و الحنطة«،

و حافظ الشیرازي یقول أیضاً في نفس الاطار في دیوانه:

»هؤلاء الوعّاظ الذین یستخدمون ألف حیلة من علی منابرهم بغیة استقطاب الناس حولهم/ یقومون في خلوتهم بأفعال اخری«.

و الشاعر الرحالة »ناصر خسرو« صاحب »سفر نامه« یقول:

»هربت من أیدي الشاه و لجأت الی الشیخ/ لكنني كنت كمن یهرب خوفاً من النمل الی فم ثعبان«

هكذا فعل الایرانیون في صراعهم مع الحكم الشاهنشاهي المستبد إذ و رغم كل تلك التجارب التاریخیة التي كانت تختزنها ثقافتهم و أمثالهم الشعبیة، لجأوا الی رجال الدین و وثقوا بخطبهم المشحونة بالعواطف و التحریض الدینی، و السبب أن الشاه قام باغلاق جمیع النوافذ الفكریة و عطل النشاطات الاجتماعیة باستثناء الجوامع و المراكز الدینیة خوفاً منه علی نظامه من الخطر الشیوعي. اما الشعب، فلم یكن أمامه خیار الا القبول ببدیل لم یكن لدیه اي برنامج سیاسی و اجتماعی محدّد. فالغالبیة الساحقة من الشعب بایعت الخمیني لا حباً بالجمهوریة الاسلامیة بل عداءاً للشاه و من كانوا وراءه من القوی الدولیة. لكن ما رآه الایرانیون و عاشوه خلال أكثر من عقدین من الزمن ازال الكثیر من الاوهام و حسن الظن تجاه الحاكمین الجدد. ففي البدایة كان كل شیئ یتم حسب »واجب شرعي«، من القتال علی جبهات الحرب الی التصویت في الانتخابات، و المشاركة في المظاهرات و الادلاء بأي معلومات عن تحرك المعارضة. فالخمیني كان یفخر بأن جهازه الامنی الاسلامی یتشكل من 36 ملیون نفر مستعدین للوشایة بالمعارضین و لو یكونوا من ابنائهم...!

و یتذكر الناس حملة التجنید في المساجد و في كل انحاء ایران تحت شعار »كل یوم عاشوراء و كل ارض كربلاء«  حیث أدی ارسال الشباب و حتی اطفال المدارس الی الحرب مع العراق الی قتل عشرات الآلاف منهم دون جدوی. كما یتذكرون آیة الله علي مشكیني (و هو من كبار رجال الدین) و هو یخطب في الذاهبین الی میادین القتال و یحرّضهم و یبشرهم برؤیة الامام الغائب حینما یظهر في ظلام اللیل لیساعدهم في المعارك و یقول »أنا أفتخر بشاب منكم یأخذ معه آلة تصویر لیلتقط صورة لإمام الزمان المهدي المنتظر«!

في قدیم الزمان كان طلاب العلوم الدینیة معروفین بفقرهم و زهدهم و تدینهم، اما الان فكل الناس یعرفون ان رجال الدین ما ان وصلوا الی السلطة حتی قاموا بجمع الاموال لحساباتهم الشخصیة و لعائلاتهم. و خیر مثال علی ذلك تحذیرات و استنكارات من ولي الفقیه نفسه بانه علی رجال الدین ان یكونوا كالآخرین و ان لا یكون مستوی معیشتهم اعلی منهم، بصرف النظر عن أن موقفه هذا لم یكن سوی لامتصاص النقمة.

و هناك أمثلة اخری نشیر الی بعضها باختصار شدید:

- الوضع الاقتصادي المتدهور الذي استفاد منه كبار التجار في »البازار« و الذین كانوا دائماً سنداً لرجال الدین و الیوم یشكلون الجناح المتشدد المسمی بمناصري الفقه التقلیدي. هؤلاء هم المحتكرون الذین استفادوا من التضخم الهائل الذی تعاني منه غالبیة الشعب،

- قضایا العمال و  انتشار البطالة تصل نسبتها الی 13 بالمئة بشكل عام و في بعض المناطق الی 18 بالمئة حسب الاحصاءات الرسمیة.

- وضع المرأة و معاناتها الیومیة، علی جمیع المستویات.

- قضایا الشباب و حاجاتهم و تطلعاتهم.

- قضایا المدارس و الجامعات، و تطلعات المثقفین و الآلاف من القضایا الاخری التي أصبح حلها اكثر تعقیداً من ذي قبل.

كان یكفي ان یمرّ عشرون عاماً حتی یتولد لدی الناس نفور و نقمة تجاه الذین حكموا ایران من رجال الدین و اتباعهم. و كلما تسنح للشعب فرصة أظهر معارضته للذین حكموه رغماً عنه. ففي كل مرحلة انتخابیة و رغم كل العوائق التي اقیمت في الطریق لمنعه من ابداء رأیه الحقیقي حاول أن یؤثر في مصیر حیاته إما بعدم المشاركة و الرفض او بترجیح السیئ علی الأسوأ و كأي سجین یخطط و یقبل بسجّان یكون أقل بأساً و شدة، قبل الشعب بمجیئ مسؤول كان نوعاً ما متفهماً لمشاكل الناس و هكذا نجد انه في بعض الدورات الانتخابیة للمجلس النیابي الایراني كان رفسنجاني علی رأس لائحة الفائزین و الیوم لم یجد له أي نصیب الا بعد ثلاثة أشهر من التزویر في صنادیق الاقتراع. لقد استخدم نفوذه في مجلس صیانة الدستور لیعید عدّ الاصوات ثلاث او اربع مرات و حیث قام المجلس بالغاء اكثر من 700 الف من الاصوات و قدّم و أخّر مرشحین آخرین لیتسنی لرفسنجاني ان ترتفع مرتبته في قائمة الفائزین و یصبح الفرد العشرین بدلاً من الثلاثین لیكون بامكانه، كما كان یحلم، ان یصبح رئیساً للمجلس النیابي. و خلال هذه الفتره من الاشهر الثلاثه (بین یوم الانتخابات و اعلان النتائج!) قام رفسنجانی بالمستحیل و وراءه كل المحافظین المسیطرین علی مجلس صیانة الدستور و القوة القضائیة و الحرس الثوري و ... و لكنهم لم یتمكنوا من انقاذ ماء وجه رفسنجاني. و لم ینفعه قیام لجنة من مجلس صیانة الدستور بتصفیة المرشحین غیر المرغوب فیهم قبل الانتخابات، كما لم ینفعه اغلاق اكثر من 15 صحیفة اصلاحیة ...

لم یترك العلماء و الفقهاء من رجال الدین أیة خدعة الا قاموا بها لتحقیق غایاتهم، كما ارتكبوا جرائم بحق المعارضة من اغتیالات و اقامة محاكم تعسفیة و ذر الرماد في عیون الناس. لقد عاش الناس بشكل یومي تجارب التأرجح بین هذا الوهم و ذاك، أو التخلص من أوهام كانوا قد عاشوها. إن دینامیكیة الحیاة الیومیة هذه اعطتهم وعیاً جماعیاً تجلی في معاقبة رفسنجاني و امثاله. و الشیخ علی اكبر هاشمي رفسنجاني الذي كان الرجل القوي طوال 22 عاماً بما فیها أثناء عهد الخمیني، و الذي أقام الدنیا و لم یقعدها لیدخل المجلس بعد تزویر لم یسبق له مثیل حتی في ایام الشاه، اضطر أن »یستقیل« من عضویة المجلس النیابي، الا أنه لم یتمكن من أن ینقذ نفسه و نظامه من العقاب الشعبی. لقد تمسك بكرسی المجلس النیابي لیمنع طرح قضیة الاغتیالات ضد المعارضة و المثقفین في الداخل و الخارج و لیمنع ایضاً التحقیق في اسباب استمرار الحرب الایرانیة العراقیة 5‏ سنوات بعد استقرار القوات العراقیة علی الحدود الدولیة و كذلك التحقیق في قضایا عدیدة اخری كان رفسنجاني العنصر القیادي و المؤثر فیها، لكن النتیجة جاءت عكسیة. هدم رفسنجاني بذلك ما تبقی من مصداقیة لمجلس صیانة الدستور و لولي الفقیة الذي أید النتائج المزورة... لقد استقال من كان الاصلاحیون یعتبرونه آخر رصاصة في جعبة المحافظین لیكون عضواً في البرلمان و رئیساً محتملاً له و من غیر المستبعد ان یستقیل من رئاسة مجلس تشخیص مصلحة النظام أیضاً، لكن الصراع علی السلطة بین أجنحة النظام لن ینتهي بسهولة ناهیك عن الصراع المحتدم و الاساسي بین الشعب و الذین حكموه طوال 22 سنة الماضیة.

و جدیر بالذكر أن الطلاب المتظاهرین في جامعة طهران كانوا یرددون عشیة قراره بالاستقالة هذا الشعار: »آزادی اندیشه/ با هاشمي نَمیشه« (حریة الفكر مع هاشمي رفسنجاني امر محال). فهل أصبحت له آذان صاغیة؟!

--------------------------------------------------------

كاتب ایراني

 

 

الاحتجاجات الطلابیة في ایران

(خلفیاتها التاریخیة و أصداؤها المتواصلة)

تراب حق شناس❊

ان المظاهرات و الاحتجاجات الطلابیة التی بدأت منذ الخمیس 8‏ تموز (یولیو) في جامعة طهران رداً علی اقتحام قوی الامن الداخلي للحي الجامعي (في امیر آباد، شمالی طهران) و استمرار الاعتصامات و الاستقالات الجماعیة لهیئة ادارة الجامعة و تضامن الحركة الطلابیة في بعض المحافظات خاصة في تبریز و انعكاس تلك التطورات علی الوضع السیاسی في ایران، و قمع تلك الحركة في 14 تموز (یولیو) تذكرنا بما لهذه الجامعة و للحركة الطلابیة عموماً من تاریخ حافل بتطورات و تقالید نضالیة عریقة في تاریخ ایران الحدیث.

 

بین الحداثة و السلفیة

الجامعة مهد الحداثة: تأسست جامعة طهران بهیكلها الحدیث عام 1935، و كانت بعض المدارس العلیا قد انشئت في فترات سابقة. و كان من بین الاسباب التي دعت حكومة رضا شاه (1925-1941)  الی الاسراع الی تأسیس جامعة طهران أن الطلاب الذین كانوا یذهبون الی الخارج و بمنح دراسیة من قبل الحكومة نفسها كانوا »یعودون بأفكار بلشفیة« (كما شكا من الامر رضا شاه نفسه). كانت الجامعة مرآة للتطورات و النقاشات و التطلعات التی تسود البلاد في مختلف المراحل. فأثناء الحرب العالمیة الثانیة و بعدها (أی في الاربعینات من هذا القرن حتی سقوط حكومة محمد مصدق عام 1953) أي حینما كانت ایران تعیش نوعاً من التعددیة و اللامركزیة و لم یكن للحكم في طهران امكانیة قمع المعارضة كما حصل في الفترات اللاحقة، كانت الجامعة مسرحاً للافكار و النقاشات المتباینة فكنت تری ممثلین لجمیع التیارات الناشطة في ساحة المجتمع آنذاك، سواءً بین الاساتذة او الطلاب، من الملكیین و الاقطاعیین و انصار العلاقات الوثیقة التقلیدیة مع »بریطانیا العظمی« و الغرب، الی الشیوعیین (حزب توده و انصاره) و المعادین للفاشیة (تقدمیین و علمانیین) و الی القومیین المتطرفین (حزب سومكا المنادی بالعنصر الآري) و الجبهة الوطنیة مروراً بتیار »احمد كسروي« (المؤرخ و اللغوي و المنتقد للطقوس الدینیة و الصوفیة) و بعض الاصلاحیین الدینیین (مثل المهندس مهدی بازركان أو الشیخ شریعت سنكلجي، الذي یمكننا مقارنته بمحمد عبده و رشید رضا) و الجماعات الدینیة المتطرفة (مثل فدائیي الاسلام). و تشكل هذه التیارات جذوراً للعدید من التیارات الفكریة و السیاسیة التی تشكلت في الفترات اللاحقة حتی الیوم. فجامعة طهران ظلت و تظل المرآة و المختبر و الورشة في آن واحد لایران الغد كما بقیت مركزاً للاحتجاج و المقاومة ضد كل ما یمس الحریات و التطلعات المستقبلیة. و تتوجت هذه المرحلة بالتطورات الدراماتیكیة و الاحداث الهامة مثل مشاركة حزب توده في الحكومة (1946)، سقوط الجمهوریة الكردیة في مهاباد و انسحاب القوات السوفیتیة من آذربایجان و الاغتیالات العدیدة مثل اغتیال الجنرال »رزم آرا« رئیس الوزراء (1949)، و ضمن هذا السیاق وصل الدكتور محمد مصدق، رئیس الكتلة الوطنیة في المجلس النیابي، الی الحكم لیجعل من اولی مهماته حل مشكلة البترول مع بریطانیا و تأمیمه. فآیام حكمه تعتبر استمراراً للمد الفكري و السیاسي الذي كان یسود المجتمع الایرانی كما أنها كانت تجربة دیمقراطیة فریدة في تاریخ ایران التی كانت جامعة طهران مرآة و مختبراً لها.

اما الانقلاب علی مصدق و سقوط حكومته (1953) و قمع الیسار الذي كان یمثله آنذاك حزب توده (حزب الشعب) كان ضربة ألیمة للحركة الطلابیة و استقلالیة جامعة طهران بشكل عام. فادارة الجامعة برئاستها و اطاراتها كانت منتخبة حتی ذالك الوقت الا أنها أصبحت تحت سیطرة وزارة التعلیم و امرة الشاه نفسه. فبعد أقل من اربعة أشهر من الانقلاب، هاجم الجیش الحرم الجامعي و أطلق النار علی الطلاب المضربین الذین احتجوا علی النفوذ الامریكی في ایران و عودة الدكتاتوریة، و قتل ثلاثة من الطلاب بكلیة الهندسة في »16 آذر 1332« (7‏ دیسمبر 1953) و هذا الیوم أصبح رمزاً للنضالات الطلابیة ابان حكم الشاه و حتی الیوم. و بعد أن أوكلت ادارة صناعة البترول المؤممة الی رابطة من الشركات النفطیة الامریكیة و البریطانیة (الكنسورسیوم) عام 1955 قام الاساتذة و عددهم 11 (بینهم مهدي بازركان و یدالله سحابی) مع عدد من الشخصیات الوطنیة (بینهم علی اكبر دهخدا، صاحب اكبر موسوعة فارسیة) یصل عددهم الی 60، بتوقیع رسالة احتجاج الی المجلس النیابي ینددون فیها بتلك الاتفاقیة التي ذهبت بمكتسبات الشعب و بتأمیم البترول أدراج الریاح. فبالرغم من الاعتقالات بین صفوف الطلبة و فصل الاساتذه المحتجین ظلت جامعة طهران وفیة بدعم النضالات العمالیة و الشعبیة طوال الخمسینات و لم یتمكن نظام الشاه من اخماد الحركة في الجامعة بكل ما كان لدیه من البولیس السیاسی (السافاك) و رغم سیاسة الجزرة و العصا.

وفي اعوام 1960- 1963 اُرغم الشاه بعد مجیئ كندي الی الحكم في الولایات المتحدة بالسماح للمعارضة الوطنیة بالنشاط العلني و قام الشاه »بثورته البیضاء« و عملیة الاصلاح الزراعي فأصبحت الجامعة من جدید مسرحاً للمظاهرات و الاعتصامات و كانت حرب التحریر الجزائریة في تلك الایام في أوجها و مصدراً لاستلهام الشباب سواءً في الجامعات و في الثانویات و لعبت الحركة الطلابیة دوراً تعبویاً لمساندة التطلعات الوطنیة و الافكار الیساریة. ففي یوم »1‏ بهمن 1340« (21 من شباط (فبرایر) 1964) قامت قوات البولیس و الجیش باقتحام الجامعة مما ادی الی احتجاج رسمي من قبل رئیس الجامعة الدكتور احمد فرهاد. هذا الموقف الجريء لم یكن له مثیل منذ الاطاحة بحكومة مصدق و نص البیان التاریخي لفرهاد علی مایلي:

»الیوم، الاحد الاول من بهمن (21 شباط 64)، و في الساعة الحادیة عشر و الربع، قامت قوات من العسكریین و دون ان یكون هناك امر یقتضي تدخلهم باقتحام الحرم الجامعي و انهالوا علی جمع من الطلاب بالضرب. ان الجامعة تحتج رسمیاً علی هذا التدخل و تطالب الحكومة بفتح تحقیق حول الموضوع كما تطالب بمعاقبة المرتكبين. و طالما لسنا علی اطلاع علی نتیجة التحقیق، انني و عموم رؤساء الكلیات نعلن امتناعنا عن ممارسة العمل فی الجامعة. التوقیع رئیس جامعة طهران، الدكتور فرهاد«.

إن تراكم التجارب و الوعي ادی الی نهوض ثقافی و سیاسي فی الستینات و انتهی الی نشوء مجموعات ثوریة عدیدة قامت في السبعینات بالعمل المسلح علی غرار التجربة الكوبیة و الی تعاطف شعبي كبیر مع الحركة الثوریة فی فلسطین.

و فی السبعینات و بالرغم من المحاكمات و الاعدامات التي حصلت بین صفوف المثقفین و طلبة الجامعات كان الحماس المتزاید في مناهضة النظام ینتشر في المجتمع و استقطب حتی العدید من الشباب و الشابات المنحدرین من العائلات المیسورة و المشاركة في الحكم و مهد بدوره الطریق، الی جانب العوامل الاخری، لاسقاط النظام الشاهنشاهي في عام 1979.

 

ان مثل هذا المركز العلمي الحداثي، شأنه شأن العدید من جامعات العالم، كان منبراً و ساحة خلاقة للتحدیث و ذلك مالم یكن بامكان الاصولیین السلفین القابعین في الحوزات العلمیة بقم و مشهد و مدن اخری آن یقفوا أمامه مكتوفي الایدي. و جدیر بالذكر ان المؤسسة الدینیة الشیعیة نشأت كمؤسسة في عهد الصفویة قبل حوالي 300 سنة، و هي مؤسسة مستقلة مالیاً و كانت دائماً إما شریكة في الحكم او علی خلاف أو في منافسة معه. اي ان علاقة المؤسسة مع الحكم لم تكن كما هي الحال في بلدان السنة حیث تخضع المؤسسة الدینیة لحكم اولی الامر و طاعته. فمثلاً لا أحد یعلم من أین تجیئ المبالغ المالیة الهائلة التي یصرفها كبار رجال الدین في ادارة امورهم و توسیع نفوذهم سواءً كانوا في قم او النجف او ای مكان آخر. و الامر لیس جدیداً بل استمر علی نفس المنوال منذ قرون حتی الآن. انهم كانوا دوماً دولة داخل الدولة. فالمؤسسة الدینیة لم تكن تسیطر علی الاحوال الشخصیة و الحقوق الخاصة و العبادات فحسب، بل وصلت سیطرتها الی القضاء و التعلیم ایضاً تماماً كما كانت الكنیسة الكاتولیكیة في العصور الوسطی. الا آن رضا شاه الذی حكم ایران في فترة ما بین الحربین العالمیتین قام بتحجیم دور رجال الدین و رغم استغلاله لبعض المشاعر الدینیة في البدایة حاول و تمكن من اخراج رجال الدین من طور التأثیر الفعلي و من كبح جماح موسسة كانت تتطلع الی بسط سیطرتها علی الدولة. فبتضییق الخناق علی رجال الدین و حصر نشاطهم في الحوزات العلمیة (الدینیة) و تقیید تحركاتهم بتصریح حكومي حتی في ایام العزاء في شهري محرم و صفر و تحدید الذین لهم حق ارتداء زي رجال الدین، لم یبق لهذه المؤسسة الا ان تعیش علی هامش المجتمع و ان تتخبط في سلفیتها و تجتر محفوظاتها.

الا انه و بعد سقوط رضاشاه (1941) اتخذ الشاه الجدید محمد رضا سیاسة ارضاء و استمالة رجال الدین و التقرب منهم و فتح الطریق امامهم وذلك فی حربه ضد الشیوعیة و التیارات الدیمقراطیة العلمانیة و زاد الطین بلة عندما أید كبیر المجتهدین آیة الله حسین بروجردي الانقلاب علی مصدق و بارك عودة الشاه الی البلاد و كتب بعض رجال الدین كتباً و مقالات ضد الشیوعیة بینهم أحد أقطاب الهیئة الحالیة لمدرسي الحوزة العلمیة في قم آیة الله ناصر مكارم شیرازي، الذي حصل آنذاك علی الجائزة الملكیة لكتابه »فیلسوف نماها« (اشباه الفلاسفة). كما كان الشاه یحاول استعادة شعبیته عن طریق التمسك بالعقیدة الدینیة بل و حتی بالأفكار الخرافیة. فهو یكتب في كتابه »رسالتي من أجل الوطن« أنه نجی من أخطار ممیتة لانه رأی في المنام عباس بن علي و هو ینقذه بیده و الی غیر ذلك من الكرامات.

المهم ان الموسسة الدینیة كانت تستغل شتی الوسائل لاستعادة دورها بما فی ذلك التنافس مع الجامعات الحدیثة. اي انها كانت تنتقد الجامعة لابتعادها عن القیم الدینیة و في نفس الوقت كانت تستفید من بعض اسالیبها؛ فباجراء الامتحانات في اواسط الخمسینات ثارت ضجة كبیرة في النجف و هناك من یتذكر ان الصحف العراقیة كتبت بعناوین كبیرة آن »علماء الشیعة حرموا الامتحانات«. الا أن بعض رجال الدین الشباب دخلوا الجامعة و تخرجوا منها مثل »محمد حسین بهشتي« و »محمد جواد باهنر« و اضافوا علی عنوانهم كحجة الاسلام عنوان الدكتور ایضاً. و الاهم من ذلك قام آیة الله العظمی كاظم شریعتمداري بتنفیذ خطة نموذجیة لعصرنة الحوزة العلمیة في قم و ذلك بشراء فندق ضخم و تحویله الی مدرسة سماها »دار التبلیغ« و أدخل مواد دراسیة حدیثة و أجهزة عصریة لم یسبق لها أن كانت في متناول ید الطلاب. و جدیر بالذكر أن الجامعة كانت قد قامت من قبل بفتح كلیة تسمی »كلیة المعقول و المنقول« یكمن اختصاصها في التفقه في الدین و التاریخ الاسلامي حتی لایكون المجال مقصوراً علی الحوزات الدینیة و لكن النتیجة لم تكن مشجعة. كما استقطبت الجامعة عدداً من المجتهدین و المدرسین في حوزات العلمیة و عینتهم اساتذة في كلیات مثل الحقوق و الاداب بینهم محمود شهابي و الدكتور عمید و محمد مشكوة في الحقوق و آیة الله مطهري و سبزواري و آیتي في المعقول و المنقول و جلال همائي و فروزانفر في الآداب. كان ذلك في الستینات و السبعینات و قبل مجیئ الخمیني الی الحكم.

إن التنافس بین الجامعة و بین الحوزات الدینیة ظل قائما بالرغم من الموقف الذی اتخذه رجال الدین ضد الاصلاح الزراعي و ضد حق المرأة في المشاركة في الانتخابات في بدایة الستینات و ابعاد الخمیني الی تركیا و من ثم الی العراق و الخلاف بین بعض رجال الدین و حكم الشاه. فلیس من قبیل الصدف آن خریجي الحوزات الدینیة و علی رأسهم خمیني نفسه، ما أن وصلوا الی السلطة حتی قاموا بالسیطرة علی الجامعة و أقاموا هناك صلاة الجمعة و جعلوا من جامعة طهران منبراً رسمیاً لهم و لم تزل كذلك حتی الآن. إنهم طرحوا في البدایة شعار »وحدة الحوزة و الجامعة« و حاولوا عن طریق شخصیات مثل حجة الاسلام الدكتور محمد مفتح الذي كان خریج المدرستین أن یأخذوا مصیر الجامعة في قبضتهم و یغیروا الدروس و الاساتذه و المناهج كما یشاؤون، الا أن الامر لم یكن سهلاً فقاموا باقتحام الجامعات في كل انحاء ایران في 21 نیسان (ابریل) 1980 و كان القتلی و الجرحی و المعتقلین من الطلبة و الجامعیین بالآلاف و سموا هذه العملیه »الثورة الثقافیة« و كان الدكتور عبد الكریم سروش و صادق زیبا كلام ممن اسند الیهم تنفیذ هذه »الثورة«.

لقد تم إغلاق الجامعة لمدة ثلاث سنوات كما تم فصل الاساتذة الذین كانوا علی صلة بالنظام السابق، او الذین كانوا متعاطفین مع المعارضة الیساریة او الوطنیة، اما الذین كانوا یشكون في عقائدهم الدینیة و الذین كان بالامكان رصد نشاطاتهم و ممارسة الرقابة علیهم فقد تم ابقاؤهم بعقود مؤقتة قابلة للتجدید سنویاً. و كان للجان التزكیة المؤلفة من عناصر متزمتة الذین لیس لدیهم أیة مؤهلات علمیة الحق في التشهیر و التنكیل برجال العلم و الادب و فصلهم من خدمة الجامعة رغم أن بعضهم كانوا منذ عشرات السنین اساتذة او باحثین بارزین. و الآن یعیش الآلاف من الأساتذة و خریجي الجامعات الایرانیة في الخارج كلاجئین سیاسیین او مهاجرین.

اما المناهج الدراسیة الجامعیة و الثانویة فتم شحنها بمواد ذات طبیعة دینیة عقائد كانت او احكاماً او تواریخ. و هناك العدید من الطلاب و التلامذة الذین اعتبروا راسبین بسبب المادة الدینیة رغم أنهم نجحوا في جمیع المواد العلمیه. و وصل الامر الی أن رفسنجاني شكا مرة في خطبة یوم الجمعة من الافراط في الأسئلة الدینیة حیث قال »یطالبون الشباب بالرد علی أسئلة لم نكن نحن في الحوزات الدینیة نعرفها و لم نكن نهتم بها«. و تم منع الفتیات من الدراسة في بعض الكلیات، كما تم الفصل بین الذكور و الاناث من الصفوف. و منع الاختلاط و الحدیث خارج الدروس بین الطلاب و الطالبات كما اُرغمت الطالبات علی ارتداء الحجاب الاسلامي و الخ.

 

هزیمة أسلمة الجامعة

ماذا كانت نتیجة هذا كله؟  إن طلاب الجامعات الذین یطالبون بالحریة و ینتقدون النظام الحاكم و یتعرضون للضرب و الحبس و القتل هم الذین ولدوا فی ظل هذا النظام او تربوا في مدارسه منذ الصف الاول الابتدائي. فاحتجاجهم ضد النظام هو في الواقع هزیمة »للثورة الثقافیة« و هزیمة لمحاولة أسلمة الجامعة. إن الانتفاضة الطلابیة الأخیرة التي دامت ستة ایام هي مرآة للأزمة الشاملة التی یغرق فیها النظام و المجتمع الایراني ككل، مرآة للأسئلة الحقیقیة من جهة و الردود و الحلول المزیفة التي یقترحها النظام من جهة اخری، احتجاج علی ما قام و یقوم به النظام و مطالبة بأن یكون مصیر المجتمع بیده هو وحده. و الجدیر بالذكر أن المظاهرات كانت رسمیاً تحت قیادة التنظیمات الطلابیة الوفیة للنظام، التي كانت مهمتها ضبط النشاطات الطلابیة في اطار الاصلاحیة الخاتمیة و منع الطلبه من الذهاب بعیداً الا انها تجاوزت كثیراً الخطوط الحمراء و نادت بشعارات لم تكن المنظمات الاسلامیه الحكومیة قد فكرت بها مثل الشعار الذي كان ینادي بأن »الجناة هم تحت عباءة خامنئي«. و بالرغم من ان الحركة الطلابیة الیوم لیس بامكانها أن تستفید من تجاربها التاریخیة و لان التیارات العلمانیة و الیساریة لیس لها حق التنظیم و كذلك بعض التیارات الاسلامیة علی غرار تیار شریعتي و بازركان، فإننا نری أن الواقع الذي یعیشه المجتمع و ما یجري في العالم الیوم قد أعطی الطلاب وعیاً و حساسیة و طموحاً لصنع مستقبل آخر غیر الذي خطط النظام له. فقضیة الصراع بین السلفیة و الحداثة مفتوحة علی مصراعیها. و المثال علی ذلك هو الموقف الذي اتخذه مجلس الخبراء في جلسته التي عقدها في مدینة مشهد بتاریخ 8‏/9‏/1999 و هاجم في بیانه الختامي من كانوا وراء احتجاجات الطلبة و الجامعیین و وصف منتقدي النظام و الكتاب المطالبین بحریة الرأي و التعبیر بأنهم أعداء للنظام و لولایة الفقیه و للاسلام، كما أكد المجلس دعمه لما قام به خامنئی و اعتبره الشخص المناسب للقیام بمهمات ولایة الفقیه.

كما أن هناك أصداء اخری لهذا الصراع المستمیت بین السلفیة و الحداثة: الحكم بالاعدام علی اربعة بتهمة التحریض و المشاركة في المظاهرات الطلابیة في طهران، الحكم بالسجن من 3‏ أشهر الی 9‏ سنین علی 21 شخصاً بنفس التهمة في مدینة تبریز، و مطالبة جریدة »جبهة« المتشددة في عددها الاخیر رجال الدین باصدار فتوی لقتل الكاتب الذي طرح الغاء »عقوبة الاعدام باعتباره عنف الدولة« (الحیاة 15 ایلول ص 21).

-------------

كاتب ایراني

نشر فی الحیاة بتاریخ 14 تشرین الاول ـ اکتوبر 1999

سببان لاغلاق جریدة نشاط:

البحث في الغاء عقوبة الاعدام و رسالة الی خامنئي

تراب حق شناس❊

هل كان ضروریاً أن یعدم في ایران آلاف و آلاف من البشر خلال عشرین عاماً الماضیة حتی یجرء أحد علی طرح النقاش حول عقوبة الاعدام و مشروعیتها الدینیة و القانونیة و جدواها؟ هل ینطبق هذا الموضوع أیضاً علی المثل الفارسي الذي یقول »كل ما تجاوز حده انقلب الی ضده«؟ و هل بدأ العد العكسی فعلاً لالغاء عقوبة الاعدام في ایران؟ فلاول مرة بعد عشرین عاماً من سیطرة عقوبة الاعدام كدواء لكل داء (اخلاقیاً كان او سیاسیاً او اقتصادیاً او اجتماعیاً او عقائدیاً) یتم طرح سؤال في جریدة »نشاط« (فرح بالفارسیة)، المساندة لخاتمی، هو »هل یعتبر عنف الدولة مسموحاً؟« هذا المقال الذي كتبه »حسین باقر زاده«، استاذ الریاضیات و نشر یوم 24 آب (اغسطس) 99 جاء فیه »أن عقوبة الاعدام هي من مظاهر العنف«، فتح باب النقاش و تعرض لهجوم شدید من قبل بعض الصحف المحافظة كما ندد به بعض رجال الدین و الحكم الا أن مقالاً آخر بعنوان »الاعدام و القصاص« كتبه »عماد الدین باقي« في نفس الموضوع و نشر یوم 30 آب في الصفحة الاولی لنفس الجریدة. یقول فیه الكاتب:

اولاً إن ایران وقعت علی الاعلان العالمي لحقوق الانسان لیس فقط في عهد الشاه بل فی عهد الجمهوریة الاسلامیة أیضاً و الخمیني كان أعرف من الآخرین أن هذا الاعلان لایتناقض و المبادئ الاسلامیة. اذن،  علینا ان نلغي عقوبة الاعدام كما جاء في الاعلان العالمي.

ثانیاً ان أحد الفوارق بین المجتمع التقلیدي و المجتمع العصري هو وجود نوعین من النظام الحقوقي: نظام یعتمد علی العقاب و نظام آخر یعتمد علی الاصلاح و یستدل ببعض الآیات القرآنیة مثل »من قتل نفساً بغیر نفس او فساد في الارض فكانما قتل الناس جمیعاً« و یقول إن القرآن یحترم نفس الانسان و لایوجد فیه تعبیر الاعدام بل یتكلم عن القصاص. اذن روح النظام الحقوقي في الاسلام هي مع الاصلاح و لیس مع العقاب، و لایری الكاتب أن القصاص مرادف للاعدام كما یعتقد البعض.

ثالثاً یعلق علی الآیة »و لكم في القصاص حیاة یا اولی الالباب« بقوله إن الهدف من القصاص لیس الاعدام و الموت بل الحیاة.

و یستنتج الكاتب أنه یجب اتخاذ اسالیب اخری للوصول الی الحیاة و الاصلاح باسالیب غیر الاعدام و یتساءل اخیراً هل أن المجتمع الایرانی وصل من الناحیة الاخلاقیة و الثقافیة الی مستوی القبول بالغاء عقوبة الاعدام.

و أثار هذان المقالان غضب خامنئی و رفسنجاني اللذین نددا بطرح الموضوع و اعتبرا التشكیك في مشروعیة و تنفیذ عقوبة الاعدام ارتداداً عن الاسلام كما اعتبرا الكاتب مرتداً. الا أن هذه الادانة لن توقف هذا النقاش المهم.

و جدیر بالذكر أن هذه لیست المرة الاولی التي یطرح فیها الغاء عقوبة الاعدام. ففي السبعینات و قبل سقوط حكم الشاه نشر في ایران كتاب بقلم الدكتور مصطفی رحیمي شرح فیه الجهود الحقوقیة و القانونیة التي بذلت حتی آنذاك في البلدان المتقدمة و منها فرنسا لالغاء عقوبة الاعدام (فرنسا الغت عقوبة الاعدام في 1981)، الا أن الموضوع لم یجد آذاناً صاغیة. فحكم الشاه كان في آخر ایامه و منطق الانتقام كان متسلطاً علی كل الاذهان، و شعارات »اعدام باید گردد« (یجب أن یعدم) كانت تدوي من كل حدب و صوب سواءً من قبل الذین كانوا في الحكم او في المعارضة، یساراً او یمیناً. وبعد سنوات من حمامات الدم المتوالیة عاد الوعي الی الضحایا طبعاً و طالبت المعارضة الدیقراطیة فی الخارج منذ عدة سنین بالغاء عقوبة الاعدام الا أن المستفیدین من الحكم لایمكنهم أن یتركوا هذا الاسلوب. فآیة الله رفسنجاني قال في عام 1981 »لو اننا قتلنا الفین في بدایة الثورة لم نكن الیوم بحاجة الی قتل 20 الف«. هناك جهات مسیطرة في الحكم تعتقد حقاً أن حیاة النظام هي في نفي الآخر لیس الا. و في المقابل هناك بین اهل النظام من یعتقد أن الظروف لیست كما كانت في السابق و یجب تغییر العقلیة السائدة و تفسیر الدین بما یلائم تطورات العصر. فعبد الكریم سروش و محمد مجتهدي شبستری و محسن كدیور ینظرون الی الاسلام من منظور لم یره قبلهم محمد عبده و رشید رضا في عصر النهضة ولا بازركان و شریعتي في العقود الاخیرة بایران و هذا منظور یصفه المتشددون بأنه انحراف عن الاسلام و خیانة و الخمیني نفسه ظل دائماً متحفظاً تجاهه.

 

اما السبب الثاني في اغلاق جریدة »نشاط« كان نشر رسالة مفتوحة الی مرشد الجمهوریة الاسلامیة علي خامنئي بعثها الدكتور یدالله سحابی استاذ الجیولوجیا بجامعة طهران سابقاً، و هو شخصیة وطنیة دینیة و من مؤسسي حركة تحریر ایران في الستینات الی جانب مهدي بازركان. سحابي الذي یفوق عمره تسعین عاماً و كان علی معرفة وثیقة بخامنئي یكتب رسالته مشحونة بالتعبیرات القرآنیة و باسلوب محترم و دقیق و ینصح خامنه ئي (علی اساس »النصیحة لامراء المسلمین«) بآن یكون صادقاً و امیناً في دعمه لرئیس الجمهوریة خاتمي و یسانده فعلاً لا قولاً فقط، و یطالبه بأن یتخذ موقفاً صریحاً و علنیاً تجاه ما یقوم به الغوغائیون الذین یهاجمون التجمعات الشعبیة بالهراوات و السكاكین و الاسلحة الناریة و التي تتم كلها باسم الدفاع عن ولایة الفقیه. هذا النقد اللاذع و الذكي أثار غضب المتشددین و أدی الی اغلاق جریدة »نشاط« التي نشرت الرسالة بعد اكثر من اسبوعین (اي في 1‏/9‏/1999). ها هو الیوم الخلاف یدب بین اهل النظام مما یهدد حكومة المتشددین. الا أن ما یهم اهل النظام لیس بالضرورة ما یهم الناس الذین كانوا منذ 20 عاماً تحت القمع و الارهاب و السجن و الاعدام و التشرید من جهة و البطالة و الغلاء و التضخم من جهة اخری. إن ما یبعث علی الامل في مستقبل ایران هو أن النضال للخروج من المأزق السیاسی و الاقتصادي بل الوجودي لایتوقف و الاستفادة من أي ثغرة للحصول علی تقدم و ان بسیطاً أصبحت فرصة لاینبغي أن تضاع.

-----------

كاتب ایراني

نشر فی الحیاة بتاریخ 16 ایلول ـ سبتمبر 1999

تاریخ عریق للرقابة فی ایران

و معوقات حریة التعبیر مستمرة

تراب حق شناس

أكد آیة الله محمد یزدي رئیس السلطة القضائیة في ایران، في خطبة له یوم الجمعة 7‏ ایار (مایو) 1999 أن رقابة الكتب هي أهم من أي شیئ آخر.

و قبل ذلك بأیام، و في رسالة مفتوحة موجهة الی الرئیس خاتمي، وقعها 349 صحافیاً ایرانیاً إحتجوا ضد فرض الرقابة علی الصحف و طالبوا بوضع حد لممارسات اولئك الذین یریدون الكبت و مصادرة حریة الكلمة. و أضافت الرسالة أن الجهة المختصة بالبت في مخالفات الصحف، طبقاً للمادة 168 من الدستور هي المحاكم العدلیة و تكون مداولاتها علنیة و بحضور لجنة التحلیف، لكن ما یجري في الواقع هو خلاف ذلك تماماً حیث أكد الموقعون أن إغلاق صحیفة »زن« (المرأة) الیومیة هو عمل یخالف الدستور و أضافوا أنه تم في العام الماضي إغلاق ثماني صحف یومیة و اسبوعیة. و ینهي الصحافیون رسالتهم الی خاتمي بالقول إنه »و في ظروف لاتوجد فیها أیة مؤسسة مدنیة و مستقلة عن النظام، نری أن الدفاع عن الصحافة هو دفاع عن المجتمع المدني الذي وعدتنا و تعدنا به دائماً«.

 

قصة الرقابة قصة قدیمة حدیثة:

رغم أن الایرانیین لیسوا وحدهم ضحایا الرقابة و رغم أن هناك شعوباً عدیدة تواجه سیطرة اُحادیة الفكر، الا أن لكل شعب ظروف خاصة به كما له اسالیبه الخاصة ایضاً لمواجهة الرقابة.

فتاریخ ایران حافل بالرقابة و بأشكال عدیدة من المقاومة ضدها. ففي ایران ماقبل الاسلام، كانت هناك سلسلة من الموظفین یقال عنهم »عیون الشاه و آذانه« مهمتهم مراقبة أعمال الناس. و بعد الفتح العربی الاسلامی عندما نضجت الافكار الشیعیة و الشعوبیة و أقبلت الیها جماعات من الایرانیین المناهضین للحكم الاموي او العباسي تم تشدید الرقابة و أصبحت الرقابة و الخوف منها جزءاً من الوعي الفردي و الجماعي في ایران. من هنا جاء »مبدأ التقیة«  و الحدیث المنقول عن الامام جعفر الصادق الذي یقول فیه: »التقیة دیني و دین آبائي«. كما یقال أنه كان یحدث أحیاناً أن المرأة لم تكن تعلم أن زوجها شیعي، او أن الرجل لم یكن یعرف أن زوجته تشیعت الی أن یموت أحدهما!

و لان الرقابة و الخوف منها او المقاومة ضدها استمرت قروناً متتالیة یوجد في الامثال الشعبیة الایرانیة عبارات مثل: »للحائط فأر و للفأر اُذُن و النتیجة هي أن للحائط اُذُن« و التي یقابلها باللغة العربیة »للجدران آذان«. كما یوجد مثل آخر یقال بالعربیة هو: »اُستُر ذهبَك و ذهابَك و مذهبَك« و مثل ثالث یقول: »یا قلبي تعوَد علی الوحدة/ لان معاشرة الناس هي مصدر الآفات« و مثل رابع یقول: »اللسان الاحمر یذهب بالرأس الاخضر أدراج الریاح«... كما أنه و نتیجة لسیطرة الرقابة نری أن الادب الفارسي الكلاسیكي حافل بالرموز و الایحاءات خاصة عند اكبر شاعر فارسي غنائي أي حافظ الشیرازی  (1320-1389) الذي یعتبر دیوانه ثاني كتاب في المرتبة بعد القرآن في كل بیت. فعلی سبیل المثال، یشیر حافظ الی حسین بن منصور الحلاج في بیت شعري یقول ما معناه:

»ان جریمة ذلك الصدیق الذي اعتزت المشنقة برفع جثمانه فوقها/ لم تكن الا انه كان یكشف الاسرار و یتفوه بها«.

بهذه الروحیة و في اجواء تاریخیة و دینیة و ادبیة حافلة بالرقابة و مقاومتها دخل المثقف الایراني عصر الحداثة و تعرف علی حق الانسان المواطن في حریة التعبیر رغم أنه لم یذقه مرة واحدة و ذلك نتیجة لاستمرار الدكتاتوریة السیاسیة و الدینیة في اطوارها الحدیثة.

تذوق المثقف الایرانی الحداثة قبل اي شیئ بآسالیب و أجهزة القمع الحدیثه جداً. فالرقابة أصبحت لها دائرة رسمیة في وزارة الثقافة مهمتها كشف ما دار في ذهن الكاتب حینما حاول كتابة شعر او مقال. فعدد ضحایا الرقابة لایعد و لایحصی. فاول الضحایا هی الحقیقة ذاتها و الكلمة، حیث لایفسح الطریق امامها لتظهر الی العلن، كتاباً كانت او مقالاً او شعراً. و ثانیها الانسان المتعطش لمعرفة الحقیقة و الذی تبعده الرقابة عن هذا الطریق. و ثالثها المبدع الذی قد یضطر للصمت او الهرب او یتعرض للاغتیال او السجن او الاعدام. و لكل من هذه الحالات أمثلة عدیدة نشیر فیما یلي الی بعضها:

»جمال الدین الافغاني« (المعروف عند الایرانیین بأسد آبادي) قُبض علیه و نُفي الی خارج البلاد بتهمة الكفر (1306 الهجري) »و ارسل مقید الیدین و الرجلین الی بغداد« (كما جاء في مقال جان دایه، الحیاة، 15 ایار الماضي، صفحة افكار)، اما »میرزا نصرالله ملك المتكلمین« الكاتب و الخطیب و »جهانگیر خان« مدیر جریدة »صور اسرافیل« أثناء الثورة الدستوریة تم اعدامهما (1908) لدورهما في تلك الثورة التي وقعت عام 1906، و الشاعر »میرزاده عشقي« مدیر جریدة »قرن بیستم« (القرن العشرین) اغتیل بامر من رضا شاه (1924)، الشاعر »فرخي یزدي« مدیر جریدة طوفان اُلقي القبض علیه و خاطوا شفتیه بالابرة لیموت في السجن (1929)، و »الدكتور تقي اراني« مؤسس و مدیر مجلة »دنیا« اعتقل و تعرض للتعذیب و قُتل في السجن (1939)، كما تم اغتیال المؤرخ و اللساني و الكاتب و الناقد »احمد كسروي« علی إیدي المتعصبین من جماعة فدائیي الاسلام (1945)، و الصحافي »كریم پور شیرازي« مدیر جریدة »شُورِش« (الانتفاضة) و هو من انصار »الدكتور مصدق« تم اعدامه حرقاً بعد سقوط حكومة مصدق (1953) و هناك المئات بل الألاف من أصحاب الفكر الحر و المثقفین الذین تم اسكاتهم سواءً في عهد الشاه او عهد الخمیني،  و أخیراً موجة الاغتیالات التي استهدفت المثقفین في السنوات الاخیرة المعروفة لدی الجمیع.

هناك فرق بین المثقف العربي و المثقف الایراني في مواجهة الرقابة المستشریة في كل مكان من منطقتنا. فاذا كان المثققف العربي یشعر بالضیق بامكانه ان یسافر او یهرب او یلجأ الی بلد عربي آخر و بامكانه ان یقول كلمته و یكتب و یخاطب جمهوره العربي هناك أیضاً أي من منفاه. اما المثقف الایراني، غالباً ما، كان علیه أن یبقی في دائرته المحدودة الضیقة و یبدع لغة رمزیة لیستكشف كیف یمكنه أن یتخلص بمهارة من الرقابة و سیفها المسلط و ذلك عن طریق ایحاءات و تعرجات و ترمیزات أصبحت جمیعها بعد فترة مفهومة لدی القراء الواعین.

و من بین الامثلة العدیدة یمكن أن نذكر:

في ظل حكم الشاه حاول صحافي لیبرالي معروف أن ینتقد سیاسة القمع و استعمال الید الحدیدیة ضد المعارضین و أن یستخدم عبارة »براثن نظام الشاه الحدیدیة«، فلجأ الی حیلة اختلاق جماعة معارضة و قام بمهاجمتها حیث یقول: »لو لم تكن براثن نظام الشاهنشاه الحدیدیة تمسك بقوة مقالید الامور لثار الشعب علیكم و استأصلكم عن بكرة ابیكم«. كما أن »نیما یوشیج« (ابوالشعر الفارسي الحدیث) عندما یكتب عن اللیل و یقول: »هذا هو اللیل، نَعم اللیل« یفهم من كلامه الاشارة الی ظروف الدكتاتوریة المسیطرة ایام الشاه.، و الشاعر »مهدی اخوان ثالث« حینما أهدی شعره الی »پیر محمد احمد آبادي« كان یقصد الدكتور مصدق السجین في قریته احمدآباد.

قبل مجیئ خاتمي بقلیل و خصوصاً بعد انتخابه كرئیس للجمهوریة، إنه لمما یثیر الدهشة عند تصفح الصحف و المطبوعات، تلك الفسحة لطرح الكثیر من القضایا التي یواجهها الشعب الایراني هذه الایام مقارنة بالوضع الذی كان سائداً تحت حكم الشاه و الخمینی. و لكن هل یمكننا ان نقول ان حریة التعبیر مضمونة في ایران؟ كلا.

ان الایرانیین لم یعیشوا »ربیع الحریة« و حریة التعبیر الا في فترات كان الحكم المركزي غیر قادر فیها علی القمع السریع و المباشر. انهم استغلوا تلك الفترات القصیرة جداً للتعبیر عن آرائهم و بشكل عفوي و غیر منظم خوفاً من ان تفلت الفرصة من ایدیهم. هكذا كان في بدایة الثورة الدستوریة (1906) و أیضاً بعد سقوط رضا شاه (1941) و اثر سقوط ابنه محمد رضا شاه (1979) و اخیراً و في الظروف الحالیة التي تعیشها ایران منذ سنتین، بامكان الناس ان ینتقدوا، في اطار عدم تجاوز الخطوط الحمراء طبعاً، و احیاناً بلغة الرمز، و أن یكتبوا و أن یصرخوا الا أنه لیس هناك قانون یدافع عنهم، بل یمكن للأجهزة المسیطرة علی رقابهم القبض علیهم او خطفهم و قتلهم دون عقاب یذكر - اذا كان هناك عقاب -، او محاكمتهم و اعدامهم. من هنا لابد من القول انه لاتوجد حریة للتعبیر و حریة للمعارضة بل هناك بعض التغاضي عن المعارضة الداخلیة - اي داخل النظام - حسب موازین القوی. هناك دعوات هذه الایام لسیادة دولة القانون و التأكید علیها من قبل بعض رموز النظام مثل الرئیس خاتمي. الا أن الأمر لایتعلق بمن یعارض نظام ولایة الفقیه و طبیعتها، بل ینحصر الأمر في اطار المعارضة داخل النظام أي لمن یعتبر من نفس العائلة و لیس »الغرباء« (»خودي« و »غیر خودي« بالفارسیة).

ان دائرة المحرمات و »التابوهات« كانت و لاتزال واسعة جداً. فهناك كتاب للشاعر الكلاسیكي الفارسي سعدي الشیرازي یسمی »نصیحة الملوك« كان ممنوعاً ایام الشاه، كما كان محرماً التعرض بالنقد او الهجاء او الكاریكاتیر حیال العائلة المالكة او النظام الملكي او العلاقات الامریكیة الایرانیة أو الایرانیة الاسرائیلیة. یكفي أن نشیر الی أن 50 بالمئة من منشورات »دار امیر كبیر للنشر« و هي الأهم بین دور النشر في ایران، واجهت الرقابة او المنع و الحجز. و في ظل النظام الحالي توسعت دائرة الممنوعات لتصل الی منع و مصادرة بعض الكتب كتبها بعض رجال الدین من مؤسسي النظام مثل آیة الله مطهري، ناهیك عن الكتب العلمانیة أو الیساریة و الروایات التي تلصق بها تهمة الخلاعة. فالطبعة الجدیدة لاعمال الكاتب الایراني الكبیر صادق هدایت نشرت بعد أن حذفوا منها فقرات عدیدة افقدت مصداقیتها. كما حذفوا من إحدی الروایات عبارة تقول »ان اوراق الشجر كانت ترقص و هي تسقط علی الارض...« لان الرقص »خلیع«، كما حذفوا من دیوان للشاعرة الكبیرة »فروغ فرخزاد« كلمات مثل »الثدي« لأن العفاف یقتضی عدم التفوه بمثل هذه الكلمات الخلیعة. و ممنوع ایضاً اي تعرض لكسوة رجال الدین (العمامة...) و دورهم في المجتمع ناهیك عن توجیه النقد او التعریض بولایة الفقیه (التي أصبحت ركناً من أركان النظام الاسلامي الایراني) او للقوانین و الاحكام الدینیة بالكلام او الكاریكاتیر. وفي قانون الجزاء الاسلامي المطبق في ایران مادة تنص علی عقاب من یسخر من الامام خمیني او الولي الفقیه الحالي بالاعدام.

و جدیر بالذكر أن الاخطر من الرقابة هو أثرها النفسي أي الرقابة الذاتیة بحیث كلما یخطر في بال الكاتب أن یكتب سطراً او كلمة یشعر بامكانیة أن یفقد عمله او یتم استجوابه او أكثر. فكم من الابداعات تم خنقها في المهد تحت تأثیر هذا السیف المسلط فوق الاعناق. ثلاثون عاماً و الكتاب الایرانیون یحاولون بكل الوسائل المتاحة لهم أن یشكلوا اتحاداً للكتاب علی اساس حریة الرأي و حریة التعبیر مما عرضهم للاعتقالات و الاغتیالات و لم یتمكنوا حتی الان أن یقیموا إتحادهم كما كانوا یرغبون و یریدون.

و رغم كل هذا، استمرت المقاومة ضد الدكتاتوریة سواءً في النظام السابق او الحالي بأشكال مختلفة نورد مثالین علیها عن طریق الرسم الكاریكاتیري من بین الامثلة العدیدة:

نشرت جریدة كیهان الیومیة بتاریخ 19 آب 1968 (الذي یصادف 28 مرداد حسب التقویم الایراني ذكری الانقلاب الامریكي البریطاني علی مصدق 1953) كاریكاتیراً بریشة الفنان اردشیر محصص. و یظهر في الرسم رجل یقرأ جریدة بعناوین كبیرة هی:

»17 آب: غارات امریكیة علی هانوی...

18 آب: غارات اسرائیلیة علی القواعد الفلسطینیة في الاردن

19 آب: .........«

تم اعتبار هذا الرسم محظوراً(لانه كان یقارن بین الانقلاب علی مصدق و الغارات الامریكیة و الاسرائیلیة) فور صدور الطبعة الاولی للجریدة و في الطبعة الثانیة، عصر ذلك الیوم، كان العمود أبیض.

و في عهد الجمهوریة الاسلامیة عاشت الصحف ظروفاً اكثر قساوة من عهد الشاه. فالفنان، راسم الكاریكاتیر »كریم زاده«، ظل في السجن سنوات عدیدة لانه رسم صورة لأحد لاعبي كرة القدم  و قد فقد أحد رجلیه فقُدم الرسام للمحاكمة لان صورة اللاعب كانت تشبه صورة الامام الخمیني.

و أخیراً حُكم علی فائزة رفسنجاني النائبة في المجلس النیابي و مدیرة جریدة »زن« النسائیة بمنع اصدارها الجریدة لانها نشرت كاریكاتیراً اعتبرته المحكمة تعریضاً لقانون القصاص الاسلامي الذی یری أن دیة قتل المرأة هي نصف دیة قتل الرجل. و فی خضم الاخبار الیومیة عن الاغتیالات المتتالیة ضد المثقفین یشیر الكاریكاتیر الی أن مسلحاً یدخل بیتاً لیقتل من فیه الا أن الرجل یقترح علی المسلح أن یقتل المرأة لان دیتها أقل!

 

----------------------------------------------------------------------

❊ كاتب و باحث ایراني

نشر فی الحیاة بتاریخ 9 تموز ـ یولیو 1999

تعقیباً علی مقال للعفیف الاخضر:

عن قانون یسمح بالاغتیال!
و ما یفرق المثقفین العرب و الایرانیین

تراب حق شناس(❊)

في مقال له بعنوان »علی هامش الاغتیالات السیاسیه في ایران« أشار الاستاذ العفیف الاخضر (الحیاة  18 آذار 1999) الی الظروف العصیبة التی یعیشها المثقفون الایرانیون من كبت و قمع و اغتیال، كما شكا من عدم تضامن صریح من قبل المثقفین العرب تجاه زملائهم المثقفین الایرانیین، رغم المصیر المشترك الذي یوجد امامهم جمیعاً و خلافاً للمثقفین الاروبیین و الامریكیین الذین نددوا بتلك الاجراءات القمعیة و طالبوا بمعرفة و معاقبة المجرمین ممن أمروا او نفذوا الاغتیالات. و لالقاء الضوء من الداخل علی مأساة المثقفین و المعارضین في ایران التي هي جزء من مأساة الشعب الیراني، أضیف نقطتین:
1‏
مقال نشر في جریدة »خرداد« (الاصلاحیة و المساندة لخاتمي) و بقلم المحامیة شیرین عبادی، التي تتولی الدفاع عن بعض الصحف و الكتاب الدیموقراطیین المتهمین في المحاكم الایرانیة. و فیما یلي ترجمة لما كتبته تحت عنوان »سیف دیموكلیس«، حول مادة قانونیه یمكن بموجبها اغتیال الآخرین دون عقاب:
»صرح »نیازی«، المدیر العام العسكري لمدینة طهران و المسؤول عن متابعة ملف الاغتیالات الاخیرة - و هو من المتشددین -، في مقابلة مع وكالة الأنباء الایرانیة بتاریخ ‮02 ینایر 9991»ان للمتهمین - و لاشك - دعاوي ضد المقتولین لیست موضع قبول هذه المحكمة و طبیعي أن المتهمین یمكنهم أن یدافعوا عن أنفسهم. كما علیهم أن یطرحوا و أن یثبتوا ادعاءاتهم حسب المادة ‮622 من قانون الجزاء الاسلامي في محكمة مختصة للنظر فیه«
و تعلق المحامیة شیرین عبادي علی هذا الرأي بقولها:
»هكذا یفهم و یستنبط من بیانات »نیازي« أن متهمي الاغتیالات الاخیرة اذا تمكنوا من اثبات دعاویهم ضد ضحایاهم حسب المادة 622 من قانون الجزاء الاسلامي، فلن یكون علیهم أي حرج و بالنتیجة سیطلق سراحهم.
ان المادة 622 المذكور تقرر:
»یتم القصاص مقابل قتل النفس اذا لم یكن المقتول تستحق القتل حقاً. و اذا كان كذلك (اي یستحق القتل حقاً) یجب علی القاتل أن یثبت الأمر حسب المقاییس المتبعة في المحكمة«
و تضیف المحامیة عبادي: »ان هذه المادة التي یواجه المجتمع لاول مرة نتائجها الفعلية و التنفیذية، تطرح تساؤلات منها:
1‏- من الذي یستوجب القتل شرعاً؟ و بعبارة اكثر دقة: ماهي الاعمال التي یتحول الانسان بموجبها الی مهدور الدم؟
2‏- ما هي المقاییس المشارة الیها في المادة 622 و علی اي اساس و بأي دلیل یمكن لنا أن نثبت أن المقتول كان یستحق القتل حقاً؟
3‏- كیف یتم اثبات الأمر و في ایة محكمة؟
4‏- و من الذي علیه أن یرد علی القاتل و ادعاءاته؟
ان النقص الأهم الموجود في المادة 622 من قانون الجزاء الاسلامي هو أن المتهم أی المقتول یسلب منه حق الدفاع الذي یعتبرمن الحقوق الاولیة لأي متهم و القانون یعطي الحق للقاتل أن یتهم فرداً لایمكنه الدفاع عن نفسه!
ان هذه المادة القانونیة هي كسیف دیموكلیس یتدلی فوق رقاب أي مفكر و كاتب حر، لأنها تعطي لأي فرد كان الحق بأن یتهم الآخر بالارتداد و یعتبره مهدور الدم و یحكم علیه بالاعدام و ینفذ الحكم و ذلك بالاستناد علی بیت في قصیدة أو سطر في مقال أو جملة في كتاب، لا لشیئ الا أن الرأي الموجود فیها لایعجبه!« (انتهی مقال المحامیة الایرانیة).

2‏
صحیح أن الموقف التضامني الذي أبداه العفیف الاخضر یشرف أي كاتب ایرانی یعانی من ارهاب ثقافی مبرمج آشد من آیام الشاه عنفاً، الا أنه لابد لنا ان نعترف آن جدراناً تبدو حدیدیة تفرق المثقفین العرب و الایرانیین!
لانرید هنا أن نتطرق الی تاریخ الشعوب العربیه و الایرانیة و الی التأثیرات المصیریة التی أخذها كل طرف من الآخر، كما لانرید أن نشیر الی المصالح الحیویة المشتركه في عالمنا الیوم و غداً. الا أنه من المؤكد أن الطرفین لایعرفان شیئاً یذكر عن هموم و تطلعات الطرف الآخر. المثقف العربی او الایرانی علی معرفة أفضل بالنسبة للوضع الادبی او السیاسی فی امریكا اللاتینیة او الیابان قیاساً بما یعرف عن الوضع فی العالم الایراني او العربی، و الغریب أن مثل هذا الموقف من كلا الطرفین لیس بعیداً عن عدم الاهتمام المتعمد و المقصود. هناك القلیل من الایرانیین الذین یهتمون بالادب العربی المعاصر و مع ذلك هناك بعض المعرفة عن طریق ترجمة بعض الاعمال الادبیه و غالباً الشعریة (البیاتي، السیاب، درویش ...)، اما بالمقابل، لا تتوفر أیة امكانیة للمثقف العربی أن یقرأ شیئاً جاداً من الادب الفارسی المعاصر باللغة العربیة رغم أن هذا الادب یعیش منذ الستینات، خاصة في مجال الشعر و الروایة، من أجمل أدواره.
و من أبرز مظاهر عدم الاهتمام ببعضهما البعض، هو أنه خلال محنة الجزایر و الاغتیالات التی تعرض لها المثقفون و المبدعون هناك خلال السنوات الاخیره علی ید المتشددین او الجیش، و بصرف النظر عن مقالات معدودة في الصحف الایرانیه للتعلیق علی مایجری من أحداث دامیة في الجزایر، لم یصدر بیان جماعی من جانب المثقفین الایرانیین حتی في الخارج لانه من الصعب ادانة المتشددین الجزاذریین في ایران، من أجل التعاطف و التضامن مع الزملاء الذین كانوا یتعرضون لابشع انواع الاغتیال و التخویف و التهجیر.
و بالمقابل ایضاً لم نسمع أن كان المثقفون العرب مهتمین بمصیر المثقفین في ایران حینما كانت المكتبات تحرق باسم منع كتب الضلال و تمنع الصحف من الصدور و تكسر الاقلام (كما نادی بها الخمینی بعد عدة أشهر فقط من وصوله الی السلطة) و تقتحم الجامعات و تغلق باسم الثورة الثقافیة من أجل »أسلمة المعرفة«. كما أنه و في الاشهر الأخیرة (حینما أظهر القتلة تهوراً و علانیة اكثر من ذي قبل و قاموا باغتیال عدد غیر قلیل من مثقفین و معارضین و علمانیین و من اصحاب الفكر الحر) لم نسمع عن تعاطف عربی معهم. و جدیر بالذكر أنه  و بعد أن أفتی الخمینی بقتل الكاتب سلمان رشدی بقلیل، كان هناك اكثر من اربعین مثقفاً عربیاً غالبیتهم من سوریا و لبنان، بینهم صادق جلال العظم و عزیز العظمة، قاموا، و بكل جرأة و التزام، باصدار بیان تحت عنوان »دفاعاً عن حق الكاتب في الحیاة« (نشر في السفیر 42/3/9891‬)، لكن عندما كان الكتاب و المثقفون الایرانیون یتم اغتیالهم بالعشرات، لم ترفع اصوات المثقفین العرب دفاعاً عنهم و مازال الحبل علی الجرار.
و أخیراً نشیر أن هذه الاغتیالات المقصودة تم التمهید لها منذ عدة سنوات، حینما اذیع لأشهر عدیدة برنامج اسبوعي في التلفیزیون الرسمي تحت عنوان »برنامه هویت« (اي برنامج الهویة) یتم التركیز فیه علی القاء التهم و الافتراءات ضد المثقفین الذین لم یكن النظام یعتبرهم من آهل النظام بل غرباء. فدائرة لصق الاكاذیب و اختلاق التهم من كل الانواع (الارتداد، الخیانة، التجسس لصالح الأمریكان و الصهاینة، الشذوذ الجنسي و ما الی ذلك) اتسعت و شملت خیرة المثقفین العلمانیین حتی الملتزمین منهم بالدین مثل عزت الله سحابي مدیر مجلة »ایران فردا« (ایران الغد). كان أحد الكتاب الایرانیین الذی قد تعرض لمثل هذه التهم یقول: »لما تصل هذه التهم الی آذان شاب مراهق و متعاطف مع المتعصبین یعیش في حینا و یرانی و أهلي كل یوم، ماذا یمنعه من أن یقتلنی و عائلتي بسكین یأخذه من المطبخ لیصبح بطلاً و یفوز بالجنة كما یعلمونهم؟ و كیف یمكنني أن أجد ملجأ به شیئ من الهدوء لأتمكن من انجاز شیئ ما؟ أو حتی أن آعیش بشكل عادي«. كما كتبت احدی الصحف التابعة للمتشددین قبل اسبوع فقط من اغتیال زعیم »حزب الامة الایرانیة« داریوش فروهر و زوجته مقالاً مهدت فیه لاغتیاله، اذ قالت: »ان الامام [ای الخمیني] قد صرح بان فروهر »غیر مسلم«. و جدیر بالذكر ان تكفیر فروهر كان بسبب رفضه لولایة الفقیه التی أصبحت في ایران بعد الخمیني »ركناً من أركان النظام الاسلامي«.
ألیس الدفاع عن حریة الفكر و الابداع فی الجزائر (و التضامن مع امثال شهید حریة الفكر و الابداع في الجزائر الشاعر طاهر جعوط و الفنان عبد القادر علولا) و في مصر (والدفاع عن امثال نصر حامد ابو زید) و فی ایران (و التضامن مع امثال سعیدي سیرجاني و محمد مختاري) و في كل الكرة الارضیة قضیة انسانیة و ثقافیة واحدة؟
------------------
❊ كاتب و باحث ایراني
نشر فی الحیاة بتاریخ 5 ایار (مایو) 9991

خاخام های اسرائیلی خواستار برپایی «اردوگاه مرگ» علیه فلسطینی ها شدند

Israeli rabbis signed a religious ruling calling for the creation of death camps for the Palestinians

The news of ongoing massacre of Palestinian people (61 killed in the last attack to Rafah camp) and destruction of houses (1750 houses completely demolished) and the destruction of all aspects of livelihood in this land (including 4 thousand hectares of agricultural land) has awakened consciousness around the world. Amnesty International, human rights institutions, and justice seeking people in Israel, including dissident soldiers (approximately 1600 strong), as well as angry protesting masses around the world, are all speaking out against war crimes and crimes against humanity. Because of this resistance, the ongoing silence is broken and even Yoseph Lapid, minister of justice in Sharon’s cabinet, seeing the pictures of ruins of Rafah recalls the crimes of Nazis.
Israel, with unconditional U.S. support, after 37 years of occupying the West Bank, Gaza and the eastern Jerusalem, and ignoring all the UN resolutions on Palestine (even the ones bearing Israel’s signature, resolution n° 194: the right of refugees to return), has gone beyond limits in isolating and destroying the Palestinian nationhood; Israel is ridiculing the world.
Palestinians have agreed to recognize the state of Israel in 78% of the land historically known as Palestine. This, in order to reach a peace agreement with an enemy that has occupied their land so that in the remaining 22% (occupied by Israel in 1967) they could build a sovereign state and achieve the right, respect and dignity of nationhood like any other nation. But Israel has set up a 600 kilometer wall to expropriate half of this land and thereby destroy any peace plan.
The supporters of Israel’s invasion who call themselves the “International Community” speak of the occupying forces and the ones who have their land occupied as equals. In order to justify occupation, they call resistance against state terrorism and occupation terrorism. Criticism against expansionist policies of Sharon is marked as anti-Semitic. This is done in order to justify the suffocation of any cry of protest. In the point of view of “International Community” there is no difference between one side armed to the most sophisticated weapons of mass killing, and another who has no defense but to throw stones and self-sacrifice as a means of resistance. They see no distinction between Israel, one among the two most influential powers in the world, and Palestine whose elected leader Yaser Arafat has been under arrest for two years; and Bush still talks about the right of Israel to self-defense. If any other state in the world had committed even one tenth of what Israel has done, it would have been most probably overthrown by the United States. But this “International Community”, this collaborator of Israel, only in words condemns the atrocities committed by Israel. In action it is supporting Israel in a variety of ways. The European Union is the number one trade partner in bilateral agreements with Israel. Against the recommendations of European Parliament on suspending the bilateral agreements with Israel, last April, the Council of European Union continued and extended the agreements. The overwhelming support and collaboration of the “International Community” has reinforced Israel’s position, given them a free hand to deny the rights of Palestinians and impose their racist policies to the point of enforcing capital punishment against a nation in the 21st century. Israel must be boycotted as was the apartheid regime in
South Africa.
We are Iranians against the regime of the Islamic Republic of Iran, exiled because of our commitment to the principals of democracy, freedom and social justice, and we are following the tragic situation of Palestine and Iraq with great concern. The self-centred policies of the United States, Israel and their various allies have replaced civilization with savagery. This is a threat to the future of humanity. Destruction of Palestine is not only the tragic annihilation of a nation but is a threat leading to the undermining of the whole of humanity. We raise our cries against this wave of “modern savagery.” Silence amounts to participation in this crime. We condemn the atrocities of the United States and Israel, including the occupation of Palestine and Iraq, and praise the resistance of people in both countries.
People of Palestine have been buried a thousand times but have never died. They will go on to fight colonialism, imperialism, and occupation, as if on behalf of other nations too. The battle between Palestine and Israel reminds us of the Spanish Republic and the need for International brigades to support it. Any support of the rights of people of Palestine and Iraq against the reactionary occupation and savagery is our political and humane obligation.
May 27, 2004
(This declaration was signed by over 400 persons.)

 

1. L’occupation de l’Irak s’inscrit pleinement dans la « grande stratégie » expansionniste inaugurée par les États-Unis au moment où s’achevait la Guerre froide.
La fin de l’URSS a représenté un tournant historique majeur, d’une importance équivalente à la fin de chacune des deux Guerres mondiales du XXe siècle. Chacun de ces tournants a été l’occasion du franchissement d’une nouvelle étape de l’expansion impériale des USA : passage du rang de puissance régionale, ou puissance mondiale mineure, au rang de puissance mondiale majeure avec la Première Guerre mondiale ; passage au rang de superpuissance au lendemain de la Seconde Guerre mondiale, dans le cadre d’un monde bipolaire, partagé entre les deux empires de la Guerre froide.
L’agonie, puis l’implosion finale de l’URSS ont confronté les USA à la nécessité de choisir entre des options stratégiques majeures pour la « mise en forme du monde » (shaping the world) de l’après-Guerre froide. Washington a opté pour la pérennisation de sa suprématie, dans un monde devenu unipolaire sur le plan de la force militaire, principal atout des USA dans la concurrence inter-impérialiste mondiale. L’ère de l’hyperpuissance états-unienne fut inaugurée par la guerre de l’administration Bush I contre l’Irak en janvier-février 1991, l’année même qui vit la chute finale de l’URSS.
Cette guerre, décisive pour la « mise en forme du monde », permit de réaliser simultanément plusieurs objectifs stratégiques majeurs :
- le retour en force de l’implantation militaire directe des USA dans la région du Golfe, détentrice des deux tiers des réserves mondiales de pétrole. Au seuil d’un siècle qui sera marqué par la raréfaction progressive, puis le tarissement de cette ressource stratégique entre toutes, ce retour plaçait les USA en position dominante tant par rapport à leurs rivaux potentiels que par rapport à leurs alliés, tous – excepté la Russie – largement dépendants du pétrole du Moyen-Orient.
- la démonstration éclatante de la supériorité écrasante des systèmes d’armement états-uniens face aux risques nouveaux pesant sur l’ordre capitaliste mondial du fait d’États « scélérats » (rogue states) -– risques illustrés par le comportement prédateur de l’Irak baasiste, dans le sillage d’une « révolution islamique » qui avait déjà installé en Iran un régime échappant au contrôle des deux superpuissances de la Guerre froide. Cette démonstration contribua fortement à convaincre les puissances européennes et le Japon, alliés majeurs de Washington, de renouveler le rapport de vassalité qu’ils avaient établi au lendemain de la Seconde Guerre mondiale envers une Amérique devenue suzeraine. Le maintien de l’OTAN et sa mutation en « organisation de sécurité » traduisirent la reconduction de ce rapport hiérarchique.
En même temps, le retour des USA au Moyen-Orient inaugurait une nouvelle et dernière phase historique d’expansion de l’empire mondial régi par Washington : l’extension du réseau de bases et d’alliances militaires avec lequel Washington enserre le monde, aux régions de la planète qui lui échappaient encore parce qu’elles étaient dominées jusque-là par Moscou. L’élargissement de l’OTAN à l’Est de l’Europe, l’intervention militaire en Bosnie puis la guerre du Kosovo, furent les premières étapes de ce parachèvement de la mondialisation impériale, réalisées sous l’administration Clinton. La poursuite du processus requérrait des conditions politiques favorables, notamment au regard de la persistance du « syndrome vietnamien » freinant les ambitions militaires expansionnistes de Washington.
2. Les attentats du 11 septembre 2001 offrirent à l’administration Bush II l’occasion historique d’accélérer au plus haut point et d’achever ce processus au nom de la « guerre contre le terrorisme ».
L’invasion de l’Afghanistan et la guerre contre le réseau Al-Qaida furent, en même temps, le prétexte idéal pour l’extension de la présence militaire états-unienne au cœur de l’Asie centrale ex-soviétique (Ouzbékistan, Kirghizstan, Tadjikistan) et jusqu’au Caucase (Géorgie). Outre la richesse en hydrocarbures (gaz et pétrole) du bassin de la Caspienne, l’Asie centrale présente l’intérêt stratégique inestimable d’être située au cœur de la masse continentale eurasiatique, entre la Russie et la Chine, les deux principales adversaires potentielles de l’hégémonie politico-militaire des USA.
L’invasion de l’Irak, réalisée dans la foulée de la précédente, visait à terminer ce qui était resté inachevé en 1991, du fait de l’impossibilité d’occuper durablement le pays tant pour des raisons de politique internationale (mandat limité de l’ONU, existence de l’URSS) que pour des raisons de politique interne (réticence de l’opinion publique, mandat limité du Congrès). Avec l’occupation de l’Irak qui s’ajoute à leur tutelle suzeraine sur le royaume saoudien et leur implantation militaire dans les autres émirats de la région du Golfe, les USA exercent à présent un contrôle direct sur plus de la moitié des réserves mondiales de pétrole – outre leurs propres réserves domestiques. Washington cherche activement à compléter cette mainmise planétaire sur le pétrole en étendant son hégémonie à l’Iran et au Venezuela, ses deux cibles prioritaires après l’Irak.
3. L’option stratégique du parachèvement de la domination états-unienne unipolaire sur le monde est le corollaire de l’option néolibérale adoptée par le capitalisme mondial et imposée à l’ensemble de la planète dans le cadre du processus global désigné sous le nom de « mondialisation ».
Afin de garantir le libre accès des USA et de leurs partenaires du système impérialiste mondial aux ressources et marchés du reste du monde, comme pour se prémunir contre les risques extra-économiques de déstabilisation du système et des marchés, inhérents à la précarisation néolibérale du monde (démantèlement des acquis sociaux, privatisation à outrance, concurrence sauvage), l’existence et l’entretien d’une force militaire à la mesure de ces enjeux est indispensable. Washington a choisi de faire des USA « la nation indispensable » du système mondial : le fossé militaire entre les USA et le reste du monde ne cesse de se creuser. Du tiers des dépenses militaires mondiales au début de l’après-Guerre froide, les USA en sont arrivés à dépenser à eux seuls plus que les dépenses militaires cumulées de l’ensemble des autres États de la planète.
Cette formidable supériorité militaire de l’hyperpuissance états-unienne relève de ce « militarisme » inhérent au concept de l’impérialisme, depuis sa première définition systématique (Hobson), magnifié par la structure hiérarchique de type féodal (suzerain/vassaux) instaurée depuis la Seconde Guerre mondiale. En vertu de cette structure, une superpuissance tutélaire assurait désormais la part essentielle de la défense d’un système capitaliste ayant complété par une solidarité subjective institutionnalisée sa solidarité objective. Celle-ci avait été illustrée a contrario par l’expérience économique et politique de la Grande Dépression, avant d’être rendue manifeste par la confrontation mondiale avec le système stalinien.
Pour que cette même structure hiérarchique devienne système impérial planétaire unique, et pour qu’elle le reste, il fallait absolument, et faudra en permanence, que la superpuissance, muée en hyperpuissance, entretienne des moyens militaires à la hauteur des ambitions qu’elle s’est fixées. La réaffirmation du rôle suzerain des USA et leur accession au rang d’hyperpuissance militaire par le développement de l’asymétrie entre leurs moyens et ceux du reste du monde étaient au cœur du projet de l’administration Reagan et de l’accroissement extraordinaire des dépenses militaires – à un niveau record, hors situation de guerre – par lequel elle s’est distinguée.
La fin de la Guerre froide, combinée avec les contraintes économiques de finances publiques dangereusement déficitaires, avaient entraîné la réduction, puis le tassement des dépenses militaires états-uniennes dans la première moitié des années 1990. La résurgence d’une contestation russe post-soviétique des visées de Washington autour de l’élargissement de l’OTAN (à partir de 1994), puis des crises balkaniques (1994-1999), ainsi que l’émergence d’une contestation chinoise post-maoïste illustrée par le bras de fer sur la question de Taiwan (1996), le tout sur fond de coopération militaire croissante entre Moscou et Pékin, entraînèrent l’administration Clinton à enclencher une hausse des dépenses militaires états-uniennes à long terme à partir de 1998.
4. La relance de la course états-unienne au surarmement face au reste du monde, succédant à la course aux armements contre l’URSS du temps de la Guerre froide, fut accompagnée d’un changement d’attitude de Washington dans la gestion des relations internationales.
L’idylle avec l’ONU, à partir de la « crise du Golfe » en 1990, ainsi que la croyance en la possibilité de déployer systématiquement le rôle impérial des USA dans le cadre d’une légalité internationale maîtrisée au gré de Washington (Irak, Somalie, Haïti), furent abandonnés, dans un premier temps, au profit de l’action unilatérale de l’OTAN dans les Balkans. Les droits de veto russe et chinois au Conseil de sécurité de l’ONU furent circonvenus ainsi par l’action unilatérale de la structure militaire collective dirigée par Washington, au nom de prétendus soucis « humanitaires ».
Le nouveau bond des dépenses militaires rendu possible par le 11 septembre 2001, le nouveau consensus créé par ces mêmes attentats autour des expéditions militaires de Washington, combinés avec l’inclination « unilatéraliste » propre à l’administration Bush II, incitèrent cette dernière à s’affranchir de toute structure institutionnelle dans le parachèvement de l’expansion impériale états-unienne. Les coalitions à géométrie variable (coalitions of the willing), sous la houlette indiscutée de Washington, remplacèrent l’OTAN elle-même, dont le principe d’unanimité constitue l’équivalent d’un droit de veto accordé à l’ensemble de ses États-membres.
La guerre d’invasion de l’Irak fut l’occasion par excellence de la mise en œuvre de ce principe unilatéraliste : sur le dossier irakien, le point de vue et les intérêts états-uniens étaient non seulement en conflit avec ceux de membres permanents du Conseil de sécurité, comme la Russie et la Chine, généralement opposées à l’hégémonie mondiale des USA, mais aussi avec ceux d’alliés traditionnels de Washington et membres de l’OTAN, comme la France et l’Allemagne. La concordance des intérêts et des points de vue des USA et du Royaume-Uni permit aux deux pays de mener conjointement l’invasion, avec le ralliement à leur entreprise de quelques membres de l’OTAN et autres alliés dociles ou zélés de Washington.
L’embourbement des USA et de leur coalition en Irak et la difficulté qu’éprouve l’administration Bush II à gérer l’occupation du pays ont apporté une démonstration éclatante de l’inanité de son unilatéralisme arrogant, qui lui avait été reproché d’emblée par une fraction importante de l’establishment états-unien, jusque dans les rangs républicains et l’entourage de Bush I.
5. L’échec irakien a souligné la nécessité d’un retour à une combinaison plus subtile entre la suprématie de la force et l’entretien d’un consensus minimal avec les puissances alliées traditionnelles (OTAN, Japon), si ce n’est avec l’ensemble des autres puissances dans le cadre de l’ONU. Le consensus a, certes, un prix : les USA doivent tenir compte un tant soit peu des intérêts de leurs partenaires, tout en se réservant la part du lion.
Depuis le tournant de 1990-91, Washington a considéré que le rôle de lieu de vérification et de gestion du consensus entre les grandes puissances, que l’ONU a joué du temps de la Guerre froide, était devenu obsolète. L’égalité en droit (de veto) des cinq membres permanents du Conseil de sécurité lui semble tout à fait surannée dans un monde devenu unipolaire, où seul les USA sont en mesure de pratiquer un veto de fait en matière de « sécurité » internationale. Or, paradoxalement, le basculement de l’ordre du monde est passé par une utilisation politique de l’ONU par Bush I afin d’obtenir un aval domestique à sa guerre contre l’Irak. Sous Clinton ensuite, l’ONU fut réduite dans les Balkans à la gestion post-guerre, en combinaison avec l’OTAN, des territoires envahis par cette dernière organisation, menée par les USA. En Afghanistan, cette même formule de gestion post-guerre a été reconduite, pour une invasion gérée unilatéralement par Washington.
Confrontés à la difficulté de gérer l’occupation de l’Irak, après en avoir mené l’invasion, les USA tentent de retourner à un scénario afghan pour ce dernier pays. La lettre et, plus encore, l’esprit de la Charte de l’ONU sont allègrement bafoués. Au regard de la Charte, les guerres d’invasion sont illégales à moins d’avoir été décidées par le Conseil de sécurité : en ce sens, les guerres de Washington, à défaut d’être justes ou légitimes, ne sont même plus légales. Celle de 1991 avait été menée au nom de l’ONU, mais non par cette dernière, comme l’avait dit le secrétaire général de l’organisation lui-même.
En tout état de cause, Washington ne conçoit le recours à l’ONU, de même qu’à l’OTAN ou tout autre structure collective, que dans la mesure où ce recours peut lui être utile. Les USA se sont toujours réservé la faculté d’agir unilatéralement si la défense de leurs intérêts l’exige. Ce chantage à l’unilatéralisme est exercé en permanence sur les institutions internationales quelles qu’elles soient. Il est à l’origine de la forte dépréciation de la Charte de l’ONU depuis la fin de la Guerre froide.
6. Les options majeures du système impérialiste mondial dirigé par les USA depuis la fin de la Guerre froide ont ouvert une longue période historique d’interventionnisme militaire débridé. La seule force capable de renverser ce cours des choses est le mouvement anti-guerre.
L’évolution des rapports de force militaires mondiaux depuis la fin de l’URSS a réduit au minimum les inhibitions de l’interventionnisme impérialiste : hormis la dissuasion nucléaire que seul un État suicidaire pourrait brandir contre les USA (le cas serait différent pour un réseau terroriste clandestin non confiné à un territoire susceptible de subir des représailles), aucune force militaire au monde n’est capable d’arrêter le rouleau compresseur de l’hyperpuissance états-unienne lorsqu’elle décide d’envahir un territoire.
La seule grande puissance capable de bloquer la machine de guerre impériale est l’opinion publique et son détachement d’avant-garde en la matière : le mouvement anti-guerre. C’est, en toute logique, la population états-unienne qui a le poids décisif à cet égard. Le « syndrome vietnamien » – autrement dit, l’impact du formidable mouvement anti-guerre qui avait grandement contribué à mettre fin à l’occupation états-unienne du Vietnam – a paralysé l’empire militairement durant plus de 15 ans, entre le retrait précipité du Vietnam en 1973 et l’invasion du Panama en 1989.
Par la suite, depuis l’action militaire contre la dictature panaméenne, Washington s’en est pris à des cibles faciles à diaboliser aux yeux des opinions publiques, du fait de leur nature dictatoriale hideuse : Noriega, Milosevic, Saddam Hussein, etc. Au besoin, les propagandes étatique et médiatique grossissent les traits d’une réalité insuffisamment conforme à son image diabolisée, surtout en comparaison des alliés de l’Occident. Ce fut le cas pour Milosevic (comparé à Tudjman, son adversaire croate), comme c’est encore le cas pour le régime iranien (comparé à l’intégrisme beaucoup plus obscurantiste et moyenâgeux de la monarchie saoudienne) ou comme on tente de le faire pour le vénézuélien Hugo Chavez…
Cependant, la difficulté rencontrée par Bush I en 1990 pour obtenir un feu vert du Congrès pour son opération militaire dans le Golfe, malgré l’occupation irakienne du Koweït, ainsi que celle que rencontra l’administration Clinton pour intervenir dans les Balkans, en sus du retrait précipité des troupes états-uniennes de Somalie, témoignaient de la persistance d’une forte réticence de l’opinion publique et de sa pression électorale. Par contre, le mouvement anti-guerre était resté anémique depuis sa renaissance en 1990.
Les attentats du 11 septembre 2001 donnèrent à l’administration Bush II l’illusion d’une adhésion massive et inconditionnelle des opinions publiques occidentales à ses desseins expansionnistes déguisés en « guerre contre le terrorisme ». L’illusion fut de courte durée : 17 mois après les attentats, les USA et le monde connaissaient, le 15 février 2003, la plus ample mobilisation anti-guerre depuis le Vietnam – la plus ample mobilisation internationale de l’histoire, toutes causes confondues. Expression du rejet massif par les opinions publiques mondiales de l’invasion projetée de l’Irak, cette mobilisation restait toutefois encore une protestation minoritaire aux USA. Le mouvement international avait, comme de coutume, puissamment contribué au renforcement du mouvement états-unien, mais l’effet 11 septembre, entretenu par la désinformation organisée par l’administration Bush, ne s’était pas encore suffisamment estompé.
7. Les déboires de l’occupation états-unienne de l’Irak ont créé les conditions propices à un retournement majoritaire de l’opinion publique aux USA mêmes et à une puissante et inexorable montée de la volonté de rapatriement des troupes.
Le problème, cette fois-ci, est que le détachement d’avant-garde a connu une baisse d’activité depuis l’invasion, alors qu’il aurait dû, et devrait, poursuivre sa progression. La démoralisation induite par une vision trop fixée sur la courte durée, alors qu’il était hautement improbable que le mouvement parvienne à empêcher la guerre, étant donné l’importance des enjeux pour Washington ; la croyance électoraliste, aux USA, en la possibilité de résoudre le problème par les urnes, alors que seule la pression populaire pourrait imposer le retrait d’Irak des troupes états-uniennes, au vu du consensus bipartisan sur l’importance des enjeux ; l’illusion que les actions armées en tous genres auxquelles sont confrontées les troupes d’occupation suffiront à mettre fin à l’occupation – telles sont les principales raisons de la baisse d’activité inopportune du mouvement anti-guerre.
Ces raisons font toutes fi de l’expérience vietnamienne, trop éloignée des nouvelles générations pour que ses leçons soient restées dans la mémoire collective, en l’absence d’une continuité du mouvement anti-guerre capable de les transmettre. Le mouvement qui avait mis fin à l’occupation états-unienne du Vietnam s’était construit dans la durée, comme mouvement de longue haleine, et non comme mobilisation préalable au déclenchement de la guerre, interrompue par le début de l’invasion. Ce mouvement se faisait d’autant moins d’illusions sur une solution électorale du problème aux USA qu’il s’était construit sous l’administration démocrate de Johnson, avant de culminer sous l’administration républicaine de Nixon. Il était clair pour ce mouvement que, malgré leur formidable résistance, incomparablement plus importante et efficace que ce que connaît l’Irak, les Vietnamiens n’avaient pas, dans leur tragique isolement militaire, les moyens d’infliger aux troupes états-uniennes un Dien Bien Phû – c’est-à-dire une défaite d’une ampleur comparable à celle qui mit fin à l’occupation française de leur pays.
C’est à bien plus forte raison le cas pour l’Irak : outre l’hétérogénéité des sources et formes d’actions violentes dans ce dernier pays, où des attentats terroristes, aux relents parfois confessionnels, contre la population civile se mêlent aux actions légitimes contre les forces d’occupation et leurs supplétifs locaux, la configuration du terrain rend par elle-même impossible d’infliger une défaite militaire à l’hyperpuissance états-unienne. C’est pourquoi les occupants redoutent plus les mobilisations de masse de la population irakienne, à l’instar de celles qui imposèrent la décision de tenir des élections au suffrage universel en janvier 2005 au plus tard.
Seule une poussée décisive du mouvement anti-guerre et de son écho dans l’opinion publique aux USA et à l’échelle mondiale, s’ajoutant à la pression populaire irakienne, serait capable d’imposer à Washington de lever sa mainmise sur un pays d’une importance économique et stratégique infiniment plus grande que le Vietnam, et dont l’invasion puis l’occupation lui ont déjà coûté tant de milliards de dollars.
Si l’Irak offre aujourd’hui le potentiel d’un « nouveau Vietnam », ce n’est pas au regard d’une comparaison militaire des deux occupations, mais uniquement au regard d’une comparaison politique. Il s’agit, en effet, de l’embourbement le plus important auquel se trouvent confrontés les USA depuis 1973, un embourbement dont l’effet est amplifié par la mémoire même du Vietnam (preuve de la persistance du « syndrome ») ainsi que par l’évolution des moyens de communication depuis lors.
Il y a là une occasion historique de renouer avec l’élan du 15 février 2003 afin de reconstruire un mouvement anti-guerre de longue haleine, capable de transformer l’aventure irakienne de Washington et de ses alliés en nouveau Vietnam politique, c’est-à-dire en nouveau blocage de longue durée de la machine de guerre impériale. Une telle perspective, combinée avec la progression de la mobilisation mondiale contre le néolibéralisme, permettrait d’ouvrir la voie aux profonds changements sociaux et politiques que requiert urgemment un monde aux iniquités en pleine croissance.

24 août 2004


* Membre d’Agir contre la guerre (ACG), auteur du Choc des barbaries (10/18, 2004) et de L’Orient incandescent (Page deux, 2003).

First of all I would like to thank the Group of Relatives and Friends of Political Prisoners in Mexico for inviting me and giving me the opportunity to speak at this event.

This day, the 28th of June, has a special meaning. On the one hand because the event commemorates the United Nations International Day in Support of Victims of Torture celebrated the 26th of June. On the other hand because today is the 10th anniversary of the massacre in Aguas Blancas, in the state of Guerrero. On this day 17 peasants, members of the Peasants’ Organization OCSS, on their way to a demonstration were killed by state police forces. Until today this crime has remained impune, although the responsibility of the ex-governor Ruben Figueroa Alcocer and the General Mario Arturo Acosta Chaparro has been clearly shown. This is just one of the many painful cases of ongoing impunity in Mexico.

I am a psychologist and psychotherapist working with the Colective against Torture and Impunity (CCTI) in Mexico (www.contralatortura.org). CCTI is an independent human rights organization that is focusing on the problem of torture, bringing together survivors of torture, their families and a team of health professionals. At this point we have a team of 3 medical doctors and 3 psychologists working in our office in Mexico City and Acapulco. I guess that Acapulco is mostly known as a tourist attraction, but we work there because one of the biggest state prisons is located there and the state of Guerrero is known for its bad record of human rights violation. Our main activities include the rehabilitation of torture survivors, which means providing medical, psychological and legal assistance for the case. We also realize activities to raise public awareness, documentation and research regarding torture as well as training for other professionals. During this year we are realizing a series of community workshops in the state of Guerrero to help the affected communities document the aggressions suffered and preventing the individual and collective psychological consequences of torture. A lot of our work is also realized inside the prisons, because a great number of survivors get long prison sentences based on the forced confessions they make under torture. Due to the fact that there are very few independent health professionals with experience in the subject, we have been involved in some of the most prominent cases of torture in Mexico, elaborating medical and psychological appraisals in order to proof the use of torture.

In order to treat the subject of torture it is necessary to define it and distinguish it from other forms of violence. That’s why I want to mention briefly the definition of the UN Convention against torture:

It states that torture means:
Any act by which severe pain or suffering, whether physical or mental, is intentionally inflicted on a person.
In order to obtain information or a confession, as a punishment, to intimidate or for any reason based on discrimination of any kind.
The Convention also defines that such pain or suffering is inflicted by or at the instigation of a public official or other person acting in an official capacity.
This is an operational definition that is also needed to qualify such acts as torture in legal proceedings.
Nevertheless if we want to understand and analyse the phenomena of torture in it’s complete dimensions we need a more complete description that also includes social and political aspects.

Our daily work in Mexico as well as the experiences from different countries, including the latest public reappearance of torture by the US-american forces, show that torture is one instrument from the big state repertoire/toolkit of repression. It is used in the context of state repression to secure dominance, to stabilize existing power structures, to fight social resistance and promote specific economic-political interests.

The aim of torture is to break the personality, the identity of the tortured, manipulate him/her and force him/her to show a certain behaviour favoured by the torturer. He is then left as a broken human being, visible example for everybody who could possibly show similar ideas or activities. Torture is therefore never directed only against the individual, it always aims against the social network, the political groups of reference and the society as a whole as well. The frequent or systematic use of torture is meant to provoke and spread fear, terror and mistrust, to intimidate and paralyse, to break resistance and finally control and manipulate the society.

In Mexico torture is used against leaders or members of social, student or grassroot movements, political organizations, unions, but also against the population that could support or sympathize with them. According to this it is very frequent in regions or historical moments in which poverty, discrimination, social-political conflicts (about the use of natural ressources, political rights and respect of traditions) lead to strong processes of resistance and organization against state politics.
Another context of torture in Mexico is its use in the context of crime combat. The alledged criminals are obliged to make a confession under torture, which is then used as the main element for condemnation in the court process and after all that the case seems to be resolved. This artificial production of criminals is needed to protect the real responsables and masks the inadequacies and corruption inside the police and investigative forces. We shouldn’t forget that this is happening in a situation where the different police forces up to their highest levels are repeatedly accused of being accomplices of organised crime.

Every analysis or description of torture that merely takes into account the direct participants or responsibles is therefore inadequate. It contributes furthermore to mask the real background and protagonists of torture and prevents it’s effective combat. This is especially important in the mexican context because the problem is often reduced to an inadequate preparation for their job or missing training in human rights of the police forces. The solution seems to lie in measures to raise awareness and improve training. Unfortunately these activities will not attack the structural problem and therefore not reduce the use of torture.

Another important aspect that needs to be mentioned is the role of international and transnational corporations, that are interested in the exploitation of the natural ressources of a specific region. Most frequently their projects are carried out with governmental consent against the outspoken will of the affected population or governments commit themselves beforehand to control possible future resistance in order to create favorable conditions for investment and guarantee the corporations’ unhindered activities. Although in this case the executing bodies are state forces like police, military, etc., the responsibilities reach further than the national context and make an alliance with the transnationals’ economic interests.

To give an example I want to mention the Loxicha region in the state of Oaxaca. With the pretext that the communities were the main support for the guerrilla group EPR, a massive wave of repression was started in 1998, with killings, disappeard persons, arrests and terror in the whole region. The arrested by the means of torture were obliged to make false confessions relating them to the guerilla, and many of those still remain in prison. At the same time between 1998 and the end of 1999 the Canadian company Kennekott realized drillings in the region and huge mines of Uranium and Titanium were found. In Chiapas and Guerrero we find more examples of conflicts around the exploitation of natural ressources like water, minerals, wood or genetic diversity, that go hand in hand with state repression against the population. These are states with a strong military presence and a long record of human rights violations, but also with a long history of resistance.

I put special emphasis on this topic because it is very important for Mexico. The neo-liberal economic policy with further opening for international investment and transnational corporations, privatization of basic services and the exploitation of natural resources is completely contrary to the interests and needs of the poor, rural and indigenous population.
At this moment, according to official data, more than 60% of the mexican population is living in poverty, there is a huge migration to the big cities or to the rich northern neighbour. The Free Trade Agreement NAFTA between the USA, Canada and Mexico since 1994, despite of all the promises made, has further aggravated the situation for the rural population. Cheap US American corn, beans, rice and meat are flooding the mexican market and the mexican farmers cannot compete.
Poverty, social conflicts and tensions have increased over the last years and have been confronted and controlled with repression by the state.

A very recent example is the treatment of globalization opponents who held a demonstration during the Summit of Latin America, the Carribean and the Euopean Union in Guadalajara in May 2004. There was a large number of arrests and many of the arrested reported physical and psychological torture like beatings, threats, deprivation of food and water, asphyxia with a plastic bag over the head, etc., during detention. Many women suffered sexual torture. Even the state Comission of Human Rights documented 19 cases that qualify as torture. Up to date none of the responsible police agents have been charged for their actions, whereas the tortured have to present themselves regularly at the police station and face serious charges against them. Just like in almost all the torture cases in Mexico the torturers can count on impunity, whereas the tortured have to face the physical and psychological consequences of torture, long-term imprisonment, the destruction of their life-perspectives, their families and social networks.

Unfortunately it is impossible to obtain reliable data about the number of torture cases in Mexico. Although the government states that torture doesn’t exist any more, various international organizations, like Amnesty International or the UN Commitee against torture speak of a systematic use of torture in Mexico. Our small colective has registrated about 100 cases of torture during the period of President Fox’s government. And we cannot see a decreasing tendency. The perpetrators are mostly agents of the General or State Attorney’s investigating police, militaries, local authorities or other police agents.

These facts represent a clear contrast to the bright image that the President tries to give himself since taking over the government in 2000. Fox takes every opportunity to stress that human rights are priority Number 1. During his government he signed various international treaties and agreements regarding torture. A few weeks ago Mexico ratified the Facultative Protocol to the Convention against Torture that establishes regular prison inspections by an expert commission. But despite of all this, neither the number of torture cases has decreased in the present government nor have there been real efforts to promote justice in elder cases from other governments. Accordingly we can qualify the government actions as purely rhetorical without any real intention to resolve the structural problem.

In this context I feel it is necessary to mention the individuals and organizations engaged in the battle against torture in Mexico. The independent human rights activists and organizations struggling for justice and against impunity have to face different kinds of attacks from the authorities. In order to neutralize, soften or shut up the critical and uncomfortable voices different methods are used – from open aggressions, threats, intimidations to the the manipulation of activists and organizations. Without doubt manipulation is the most elegant method because it avoids open violence and manages to bring the individuals and organizations on the state’s side.

Special importance has to be given to the attempts of northamerican so-called NGO’s handling big funds, to gain influence in the mexican human rights community. It seems that especially those organizations dealing with torture attract their interest.
I am talking especifically about „Freedom House“, an ultra-konservative organization, funded mainly by US-AID, the Agency for International Development, an agency that provides economic, development and humanitarian assistance around the world in support of the foreign policy goals of the United States.
Since 2003, James Woolsey, director of the CIA between 93 and 95, architect of the american Iraq policy and advisor of many neo-konservative foundations, is the Chairman of Freedom House. He has also been director of Titan, a private security corporation, who obviously employed at least one of the interrogators in the iraqui prison of Abu Ghraib.
Other members of the Board of Trustees are Samuel Huntington, or Diana Villiers Negroponte, wife of John Negroponte, director of national intelligence in the USA. Many of these personalities are well known for their ultra-konservative ideas and close relations with the administration of power.

Freedom House has chosen the topic of torture for it’s activities in Mexico and is trying to control local organizations by offering them great amounts of money and unlimited funding opportunities. Again we have to analyze the broader context of this strategy. In a political moment when the USA has to face massive allegations of having used torture on prisoners, when there is a public discussion about legally using torture in the war against terrorism, why would the USA want to get engaged in the fight against torture in Mexico.
I think one of the reasons is that organizations working with survivors of torture manage a lot of very sensitive information. Information about political activists, about political organizations, their networks, their activities, etc. Controlling these organizations means having access to all this information that can be used in the context of counterinsurgency whenever it seems necessary.
So, looking back at the different aspects I have mentioned in my speech we have to acknowledge that the struggle against torture is not only a struggle to end a serious human rights violation. It is also a struggle for political rights, against political and economic plans based on inequality and in favour of a real democracy.
Mexico and many other countries are still very far away from that!

Vancouver, June 28, 2005.
این آدرس ایمیل توسط spambots حفاظت می شود. برای دیدن شما نیاز به جاوا اسکریپت دارید